للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والنظرِ في آثار مَن أَهلك اللهُ تعالى مِن الأُمم قبلهم بسبب كفرهم ومعاصيهم؛ ليشاهدوا مصداقَ ذلك ويتحقَّقوا صدقه.

﴿كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ﴾ استئنافٌ للدلالة على أنَّ منهم مَن أَهلكهم بسبب سائر المعاصي، ولم يكن الشركُ وحده سببَ تدميرِ الكُلِّ.

(٤٣) - ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾.

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ﴾: البليغِ الاستقامة، الذي لا يتأتَّى فيه عِوَجٌ، يعني: قد بلغ الإنذارُ مبلغَه، فلا تهتمَّنَّ لإعراض هؤلاء، واقصِدْ أنتَ الطريقَ الذي يُوصِلك إلى الدِّين المستقيم، وهو ما تقدَّم ذِكْره: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: ٣٠].

﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ﴾: يومٌ لا يَقدِرُ أنْ يردَّه أحدٌ، أو: يأتي يومٌ لا رادَّ له مِن جهة الله؛ أي: لا يردُّه الله؛ لتعلُّق إرادته القديمة بمجيئه.

﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾: يتصدَّعون؛ أي: يتفرَّقون تفرُّق الأشخاص، على ما ورد في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ [القارعة: ٤]، لا تفرُّق الفريقَيْن كما ظَّنه مَن قال: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] فإنَّ المبالغةَ في التفرُّق المستفاد مِن ﴿يُصَدَّعُونَ﴾ إنَّما يناسب الأول، ثم استأنف لبيانِ شأنهم في تلك الحال، فكأنَّه يقول: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٧].