للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٤٤) - ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾.

﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾: وبالُ كفرِه، مبالغةً في إحاطة جميع المضارِّ به؛ لأنَّ مضرَّة الكفرِ ووبالَهُ غاية في المضارِّ لا وراءَ لها، وهي إحاطةُ النار به.

﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾؛ أي: يُسوُّونَ مقرًّا في الجنة لا أَنعمَ ولا أَجلبَ للراحة منه، وهو تمثيلٌ لحالهم بحالِ مَن يُمهِّد فراشَه ويوطِّئه لنفسه في غايةِ النعومة، بحيث لا يصيبه في مَرْقده ما ينغِّصه عليه مِن أدنى خشونةٍ.

وتقديمُ الظرفِ في الموضعين للاختصاص، وصيغةُ الإفراد في الكافر للدلالة على انفرادِه في زمانِ عذابه تشديدًا له، فإنَّ الوحشةَ نقمةٌ أخرى، وصيغةُ الجمعِ في المؤمن للدلالة على أنَّ لهم نعمةَ الأُنْس زيادةً على ثوابهم الجزيل.

وفي مقابلةِ ﴿مَنْ كَفَر﴾ بـ ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا﴾ تنبيهٌ على أنَّ العملَ الصالح مِن روادف الإيمان، لا يوجد مع الكفر، ولمَّا كان العملُ الصالحُ كنايةً عن الإيمان، لم يبقَ قسمٌ آخَرُ مجهولَ الحال.

(٤٥) - ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾.

﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ﴾: ممَّا يَتفضَّل به عليهم؛ لأنَّ الثوابَ مِن الفَضْل، والعقابَ مِن العدل.

وقوله: ﴿لِيَجْزِيَ﴾ تعليلٌ لـ ﴿يَصَّدَّعُونَ﴾، والاقتصارُ على جزاء المؤمنين للإشعار بأنه المقصودُ بالذات، والاكتفاءُ مِن جزاء الكافرين بفحوى قوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ وتوصيفُ المؤمنين بالعمل الصالح، ليس للتخصيص، بل للتنبيه على أنَّ الإيمانَ الخالصَ شأنُه استتباعُ العملِ الصالحِ.