للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ للمبالغة في غفلتهم، وتماديهم في جهلهم، وعدم نجعِ الدعوة فيهم؛ فإنَّ الأصمَّ وإنْ لم يَسمع، فإذا كان مقبلًا فربما تفطَّن بالإشارات (١) والحركات، وأمَّا إذا كان مُدبِرًا فلا إمكانَ لسماعِه وفهمِه.

(٥٣) - ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ﴾ إنَّما عدل هنا عن صيغة الفعل إلى صيغة الفاعل؛ لأنَّه لم يُرِدْ نفيَ الهداية أصلًا، فإنَّ الهدايةَ في الجملة ممكنةٌ للأعمى، بل أراد نفيَ الهداية التامَّة، ولذلك ضمَّنها معنى الإذهاب فقال:

﴿عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ يقال: هداهُ عن الضلالة؛ أي: أَبعدهُ عنها بالهدى، ومَن قرأ: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ﴾ (٢) فقد اكتفى بما في قوله: ﴿عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ مِن الدلالة على المراد، واللهُ الهادي إلى سبيل الرشاد.

﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ فإنَّ إيمانَهم يدعوهم إلى سماعِ اللفظ وتدبُّر المعنى فهم منقادونَ لِمَا تَأمرهم به ﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾: منقادونَ لأوامرِ الله.

(٥٤) - ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾: ابتدأَكُم منه، وجعلَ أساسَ أمرِكم وما عليه بنيتُكم الضعفَ، كقوله: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧]، وذلك حال الطفوليَّة والصِّبا.


(١) في (ف) و (م): "بالإشارة".
(٢) قرأ بها حمزة. انظر: "التيسير" (ص: ١٦٩).