للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على معنى: إذ فزعوا فلم يَفوتوا وأُخذوا، ويؤيِّده ما قُرئَ: (وأَخْذٌ) (١) معطوفًا على محلِّ (لا فوت)؛ أي: لا فوتَ هناكَ وهناكَ أَخْذٌ.

* * *

(٥٢) - ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾.

﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾؛ أي: بمحمَّدٍ ؛ لمرور ذِكْره في قوله: ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ﴾، أو: للعذاب (٢) المذكور في قوله: ﴿بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾.

﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾: ومِن أينَ لهم التناولُ السهلُ مِن مكانٍ قريبٍ، يعني: تناولَ الإيمان ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ فإنَّه يكون في حيِّز التكليفِ، وقد بَعُدَ عنهم، تمثيلٌ لطلبهم المستحيل، وهو أنْ يَنفعهم الإيمانُ وقتَ العذابِ في الآخرة كما يَنفع المؤمنين في الدنيا؛ مثَّل حالَهم بحالِ مَن يريدُ أنْ يتناولَ الشيءَ مِن غَلْوةٍ (٣)، كما يَتناوله الآخَرُ مِن قِيسِ ذراعٍ تناولًا سهلًا.

وقرئ: ﴿التَّنَاوُشُ﴾ بهمز الواو المضمومة (٤)، كما هُمِزَت في: أَجْؤُر وأَدْؤُر، وعن أبي عمرو: التناؤشُ - بالهمز -: التناول (٥) مِن بُعْدٍ، مِن قولك: نأشتُ، إذا أبطأتَ وتأخَّرتَ.


(١) نسبت لعبد الرحمن مولى بني هاشم عن أبيه. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ١٢٢)، و"الكشاف" (٣/ ٥٩٣)، و"البحر المحيط" (١٧/ ٤٧٧).
(٢) أي: أو الضمير للعذاب.
(٣) الغَلْوة: الغايةُ، وهي رميةُ سهمٍ أَبعد ما يُقدرُ عليه، ويقال: هي قدرُ ثلاثِ مئةِ ذراع إلى أربع مئةٍ، والجمع: غَلَوَاتٌ. انظر: "المصباح المنير" للفيومي (مادة: غلو).
(٤) قرأ بها أبو عمرو وحمزة والكسائي، وشعبة عن عاصم. انظر: "التيسير" (ص: ١٨١).
(٥) في النسخ: "التناوش"، والمثبت من "الكشاف" (٣/ ٥٩٣)، والكلام منه.