للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهواه على عقله، فانتكس رأيُه فرأى الباطلَ حقًّا والقُبْحَ حَسَنًا، كمَن لم يُزيَّن له، بل وُفِّقَ للنَّظر الصَّحيح فعرفهما، ورأى (١) الحقَّ حقًّا فاستحسنه (٢) واختاره، ورأى الباطلَ باطلًا فاستقبحه وتركه.

والهمزة للإنكار دخلَتْ على الفاء العاطفة لإنكار الجهلِ وفقدِ النَّظرِ والتَّمييزِ، أي: أبعدَ ما تبيَّنَ (٣) عاقبةُ الفريقَيْن مَن فقَدَ التَّمييز واتَّبعَ الشَّيطان، فرأى القبيحَ الذي زُيِّنَ له حَسنًا كَمَنْ ليسَ كذلك.

وإنَّما حذفَ الجوابَ لدلالة: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ عليه.

وقالَ الزَّجَّاج: الجواب: ذهبَتْ نفسُكَ (٤) عليهم حسرةً، فحذفَ لدلالة: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ عليه (٥)؛ أي: فلا تُهلك نفسَك للحسرات.

و ﴿عَلَيْهِمْ﴾ صلةُ ﴿تَذْهَبْ﴾، كقولِكَ: هلكَ عليه حبًّا، أو بيانٌ للمتحسَّرِ عليه، ولا يجوز أنْ يتعلَّق بـ ﴿حَسَرَاتٍ﴾؛ لأنَّ صلة المصدر لا تتقدَّم عليه، ويجوز أن يكون حالًا (٦) على أنَّها كلَّها صارَتْ حسراتٍ لفرط التَّحسُّرِ.


(١) في (م): "فرأى".
(٢) في (م) و (ي): "فأحسنه".
(٣) في (ف): "بين".
(٤) في (ف) و (ك): "الجواب فلا تذهب نفسك"، والمثبت من باقي النسخ والمصدر.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٤/ ٢٦٤).
(٦) أي: (أن يكون ﴿حَسَرَاتٍ﴾ حالا من ﴿نَفْسُكَ﴾)، وهذه عبارة الآلوسي في "روح المعاني" (٢٢/ ١٧٠)، وعبارة المؤلف منقولة بالحرف من "الكشاف" (٣/ ٦٠٠). ووقع في (ك): "ولا يجوز"، والمثبت من باقي النسخ، وهو الموافق لما في المصدرين المذكورين وغيرهما.