للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأصحَابُ السَّعيرِ: الشَّياطينُ؛ لأنَّ إعدادهُ كان لهم، لا كُلُّ مَن دَخلَ فيه، وقد أُشيرَ إلى ذلك في سياقِ كلامِهم حيثُ قيل: ﴿فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ ولم يُقل: مِن أصحابِ السَّعيرِ، فلمَّا فَصَلَ فيه بينهم وبَيْنَ أصحابِ السَّعيرِ كان أصلُ الكلامِ: فسُحقًا لهم ولأصحَابِ السَّعيرِ، وإنَّما عَدلَ عنه إلى ما ذُكرَ؛ تغليبًا لأصحاب السَّعيرِ عليهم؛ للتَّحقِيرِ والتَّقلِيلِ، والمُبالغةِ في التَّهدِيدِ على وجهِ الإيجازِ، ومَن وَهَمَ أنَّ الإيجازَ نُكتةٌ أُخرَى للتَّغلِيبِ فقَدَ وَهِمَ، فإنَّ كُلًا مما ذُكرَ يَتيسَّرُ بدُونِ التَّغليبِ، إلَّا أنهُ لا يكونُ على وَجهِ الإيجَازِ.

* * *

(١٢) - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ الخَشيةُ: خوفٌ يَشوبهُ تَعظِيمُ المَخشِيِّ مع المَعرفةِ بهِ (١)؛ ولهذا قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]، وإنَّما قال: ﴿بِالْغَيْبِ﴾؛ إذ عندَ العيانِ لا يَبقَى للخَشيةِ شأنٌ.

﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ مُتعلَّقُ التَّخصِيصِ المُستفادِ مِن تَقدِيمِ الجارِّ والمَجرُورِ مجموعُ الأمرَينِ، فلا يَلزمُ اختصاصُ مغفرَةِ الذُّنوبِ بالذين يَخشَونهُ تعالى.

* * *

(١٣) - ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.

﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ﴾ ظَاهرُه الأمرُ بأحدِ الأمرَينِ: الإسرَارِ والإجهارِ، ومَعناهُ: المُبالغةُ في استِوائهما في عِلمِ اللهِ تعالى، ثُمَّ علَّلهُ بقوله تعالى:


(١) "به" ليس في (ع) و (ك).