مفصِّلةٌ لمجمَلها، أو مطلِقةٌ لمقيِّدها، أو ناسخةٌ لحكمها، إنما هو من قبيل التفسير بالرأي.
وثمة أمرٌ آخر لا بد من التنبيه عليه أيضًا، أن تفسير القرآن بالقرآن عن طريق الاجتهاد قد يدخله الاختلاف؛ لِمَا جُبل عليه البشر من اختلاف العقول، فالآية التي يجتهد عالم في تفسيرها بآية أخرى قد يجتهد غيره فيفسرها بغيرها، كما أنه ليس كلُّ مَن حمل آيةً على أخرى يُقبل قوله بحجةِ أنه من تفسير القرآن بالقرآن، فإن هذا الأسلوب قد يستعمله أحيانا أهل البدع لتقرير بدعتهم، كما فسر بعض المعتزلة قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٣] بأنها تنتظِر ثواب ربها، وينفون رؤية الباري، ويستشهدون لذلك بقوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، ولو لا قولهم بعدم رؤية الباري لما حملوا هذه الآية على تلك.
وبالعودة إلى هذا التفسير الذي بين أيدينا نجد أن لتفسير القرآن بالقرآن عند هذا العلَّامة نكهةً خاصة، وأسلوبًا متميزًا، فليس أسلوبه مقتصرًا على تفسير الآية بآية أخرى أو آيات، ولا منحصراً في بيان الرابط بينهما، لكنه يذهب إلى أبعد من هذا، حيث يجعل الآيات مكمِّلة لبعضها، وكأنها بمجموعها موضوعٌ واحد، بحيث تؤدِّي كلّ آيةٍ جزءًا من الغرض، ليتكامل باجتماعها الموضوع:
فمن ذلك قوله: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ [النور: ٢٤] هذا في حقِّ القَذَفة، وقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ﴾ الآية [يس: ٦٥] في حقِّ المشركين،