للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿شَطْرَ الْمَسْجِدِ﴾ نحوَه وجانبَه، الشطرُ في الأصل لِمَا انفصل عن الشيء، من شَطر: إذا انفصل عن الشيء، ثم استُعمل لجانبه وإن لم ينفصِل، وزيادتُه ليست لأنَّه كان بالمدينة والبعيدُ يكفيه رعايةُ الجهة؛ لأن التعميم المستفادَ من قوله: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤] يأباه، بل للدلالة على أنَّ القبلة هي الهواء، ولا دخل فيها للبناء (١).

﴿الْحَرَامِ﴾؛ أي: المحرَّم فيه القتالُ، أو ممنوع عن الظَّلَمة أن يتعرَّضوه، وهذا الوصف هو الباعث لإيثار ﴿الْمَسْجِدِ﴾ على: الكعبة، فإن الحكم المذكور لا اختصاصَ له بها، لا لأن في استقبال عينها حرجًا؛ لأنَّه قد اندفع بزيادة عبارة الشطر.

رُوي أنه قدِم المدينةَ فصلى نحو بيت المقدس ستةَ عَشَرَ شهرًا، ثم وجِّه إلى الكعبة (٢).

﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ خُصَّ رسول الله بالخطاب تعظيمًا له، وإيجابًا لرغبته، ثم عمِّم تصريحًا بعموم الحكم، وتأكيدًا لأمر القبلة، وتحضيضًا للأمة على المتابعة.

﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ إجمالًا، لعلمهم بأن عادته تعالى تخصيصَ أهل كل شريعة بقبلةٍ، وتفصيلًا لتضمُّن كتبهم أنه يصلي إلى القبلتين، والضميرُ للتحويل أو التوجُّه.

﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ وعدٌ ووعيدٌ للفريقين، وفي قوله:

* * *


(١) في "م": (للبناء فيها).
(٢) رواه البخاري (٧٢٥٢)، ومسلم (٥٢٥)، من حديث البراء .