للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعني: إنك تفعل كثيرًا - على ما دل عليه عبارةُ ﴿تَقَلُّبَ﴾ - وهو قليل بالنسبة إلى ما تهمّ به وتريد، وفي البيت يدَّعي قلَّةَ الترك بالنسبة إلى ما في نفسه وما يريد، وهو كثيرٌ في حدِّ ذاته.

﴿تَقَلُّبَ وَجْهِكَ﴾ تقلُّب الوجه أبلغُ من تقلُّب العين، على أن الوجه يريد به التوجُّه؛ كقولك: وجهي إلى فلان.

﴿فِي السَّمَاءِ﴾؛ أي: في جهتها تطلّعًا للوحي.

كان رسول الله يتوقَّع من ربه أن يحوِّله إلى الكعبة؛ لأنها قبلةُ أبيه إبراهيم ، وأقدمُ القبلتين، وأَدْعَى للعرب إلى الإيمان؛ لأنها مفخرتُهم ومَزارُهم ومطافُهم، ولمخالفة اليهود، وذلك يدلُّ على كمال أدبه ، حيث انتظر ولم يسأل كما فَعل أبوه إبراهيمُ ، حيث قال: (حسبي من سؤالي علمُه بحالي) (١).

﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ﴾ فلنجعلنَّك واليًا ﴿قِبْلَةً﴾ من ولَّيتُه كذا: إذا جعلته واليًا له، أو: لنجعلنَّك تلي سَمْتَها، من الوَلْي.

﴿تَرْضَاهَا﴾ تحبُّها وتميلُ إليها لمصلحةٍ دينية، هذا القيدُ للدلالة على أنَّ التوليةَ كانت رعايةً لرضاه ، فلا دلالةَ فيه على كراهة القبلة الأخرى.

﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ فاجعل وجهك يلي.


(١) ذكره ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (١/ ٢٥٠) بلفظ: (علمه بحالي يغني عن سؤالي) وقال: قال ابن تيمية: موضوع. قلت: وجاء في "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (١/ ١٨٣): ليس له إسناد معروف، وهو باطل، بل الذي ثبت في الصحيح [البخاري (٤٥٦٣)] عن ابن عباس أنه قال: (حسبي الله ونعم الوكيل). قلت: وكلاهما - الموضوع والصحيح - لا دليل فيهما لما قاله المؤلف.