للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ فيه معنى التعليلِ، والإظهارُ في مقام الإضمار للتَّفخيم.

﴿بِالنَّاسِ﴾ على الإطلاق، فكيف بالمؤمنين منهم؟

﴿لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ فلا يُضيع أعمالَهم، ولا يُخلُّ بما يُصلح أحوالَهم، وإنما قدِّم الرؤوف على الرحيم؛ لأن الرأفة إنما تكون باعتبارِ الحفظ والصِّيانة عن الآفات والنقائص التي يُستحَق بها العقاب، والرحمةَ باعتبارِ إفاضة الكمالات والسعادات التي بها يُستحَق الثواب، فالأُولى من باب التزكية، والثانيةُ من باب التخليَة، ولا تكون التخلية إلا بعد التزكية.

* * *

(١٤٤) - ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾.

﴿قَدْ نَرَى﴾ ﴿قَدْ﴾ للتقليل، وقد استُعمل هاهنا في مقام التكثير؛ كما في قوله:

قد أتركُ القِرْنَ مصفَرًّا أناملُه (١)


(١) انظر: "الكشاف" (١/ ٢٠٢). وهذا صدر بيت، عجزه:
كأن أثوابه مجَّت بفرصاد
وهو من قصيدة لعبيد بن الأبرص الأسدي أوردها الأصمعى في "الأصمعيات". قوله: (قد أترك القرن)، هو بكسر القاف: المثل في الشجاعة، والأنامل: رؤوس الأصابع، والمعنى: أقتله فينزف دمه فتصفرّ أنامله. وقال الأعلم: خصّ الأنامل لأن الصفرة إليها أسرع وفيها أظهر. وقال غيره: يريد أن يقتل القرن فتصفرّ أنامله. ويقال: إنه إذا مات الميّت اصفرّت أنامله. ومجّت: دَمِيت، والمراد: صُبغت. والفرصاد بكسر الفاء قال الأعلم: هو التّوت، شبَّه الدم بحمرة عصارته. انظر: "خزانة الأدب" للبغدادي (١١/ ٢٧٥).