استدلالًا بما في الثانية، ومن أجمل الأمثلة عليه ما جاء عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] قال: (هذا ليس بنفي للخرور، بل هو إثباتٌ له ونفيٌ للصَّمم والعَمى .. يعني: أنَّهم إذا ذكِّروا بها خَرُّوا سُجَّدًا وبُكيًّا، سامعينَ بآذانٍ واعيةٍ، مُبصرين بعيونٍ باصرةٍ لِمَا أُمروا به ونُهُوا عنه، لا كالمنافقين وأشباههم، دليله: ﴿وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨] فإن القرآن يُفسِّر بعضُه بعضًا).
فانظر إلى روعة الاستنباط، وجمال الاستدلال، وحسن الاختيار.
وأحياناً يكون الأمر على عكس الطريقة السابقة، يعني يردُّ على قولٍ في آية وبفنِّده بدلالةِ آيةٍ أخرى:
فمن ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٤] حيث قال المؤلف: (قيل: وإسناد المكر إلى الله تعالى للمزاوجة والمشاكَلة، ولا يجوز إطلاقها عليه تعالى ابتداءً؛ لِمَا فيه من إيهام الذَّم، وكأن هذا القائل غافل عن قوله تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٩]).
وأكثر ما يكون هذا في القصص القرآنية:
ومن أمثلة ذلك ما جاء في آخر تفسير قصة اَدم في سورةْ البقرة، حيث قال: (وأمَّا ما قيل: إنه أخطأ في اجتهاده، حيث ظنَّ أن الإشارة إلى عينِ تلك الشجرةِ فأكل غيرها من ذلك النوع، وكان الإشارةُ إلى النوع، فمردودٌ بقوله: ﴿مَا نَهَاكُمَا