للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قولك: رجلٌ عَدْلٌ، فإن التجوُّز فيه في الإسناد دون المسنَد، كذلك يُذكر الموصوفُ في مَقام الوصف بلا حذفٍ ولا تجوُّزٍ (١) بحسَب اللفظ كالذي نحن فيه تنزيلًا للموصوف مَنزلتَه، ولا يَخفى ما فيه من المبالغة في شأن ذلك الوصفِ وتعظيمِه، على عكس ما في المثال المذكور، فإنَّ المبالغةَ فيه في شأن الموصوف، ولدقَّةِ الفرق بين الاعتبارَين ذهب على كثيرٍ من الحذاق (٢).

وفي المصير إلى التقدير في مثلِ هذا المقامِ تنزيلٌ للكلام عن مَنزلته الرَّفيعة، وتغييرٌ لصورته البديعةِ، على أنه إذا قيل: ولكنَّ البرَّ برُّ (٣) من آمن .. إلخ، يُفهم منه عدمُ الاعتبارِ لبِرِّ مَن قصَّر في بعض تلك الأعمال، وإذا قيل: ولكنَّ ذا البرِّ (٤) مَن آمَن .. إلخ، يخرج الكلام عن سَنن الانتظام، وأيضًا لو قُصد هذا لكان المناسبُ أن يقال: ولكنَّ البَرَّ، بفتح الباء.

﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾، أي: حبَ المال والشُّحِّ به كما قال عليٌّ لمَّا سُئل أيُّ الصدقة أفضلُ؟: أن تؤتيه وأنت صحيحٌ شحيحٌ تأمُلُ العيش وتخشَى الفقر (٥). وقال الله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢].

والجارُّ والمجرور في موضع الحال.


(١) في النسخ: (يجوز)، والمثبت هو الصواب بدلالة السياق مع ما سبق.
(٢) في هامش (د) و (ف) و (م): "كصاحب الكشاف وشراح كلامه. منه".
(٣) كلمة: "بر" سقطت من (د).
(٤) في النسخ عدا (ك): (ولكن ذا البربر)، والمثبت من (ك)، وهو الصواب. انظر: "الكشاف" (١/ ٢١٨)، و"تفسير القرطبي" (٣/ ٥٤ - ٥٥)، و"تفسير البيضاوي" (١/ ١٢١).
(٥) رواه البخاري (١٤١٩)، ومسلم (١٠٣٢)، من حديث أبي هريرة . ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" (١/ ٦٦) من قول ابن مسعود . ورواية الصحيحين: "تخشى الفقر وتأمل الغنى"، وفي رواية لمسلم: "وتأمل البقاء".