[الأعراف: ٣٠]: (بإبطالهم الاستعدادَ الأصلي والقابليةَ الفِطْريةَ لا باقتضاءِ القضاءِ الأزلي كما زعمت الجبريةُ؛ لأن القضاء تابعٌ للمقضيِّ لا متبوعٌ له).
وفنَّد إحدى شُبَه الزمخشريِّ بأنها على طريقة الجبرية المنافية لمذهب الحق مشنِّعًا عليه فيما ذهب إليه، وذلك في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] فقال: (ولا دلالة فيه على استقلال العبد في أفعاله؛ إذ يكفي في استحقاقه الملامةَ أن يكون لقدرته الكاسبة مدخلًا فيه [أي: في فعله]، ومَن قال أهو الزمخشري]: وهذا دليل على أنَّ الإنسان هو الذي يختار الشَّقاوة والسَّعادة ويحصِّلهما لنفسه، وليس من الله إلَّا التَّمكين، ولا من الشَّيطان إلَّا التَّزيين، ولو كان الأمر كما تزعم المجبِرة (١) لقال: فلا تلوموني ولا أنفسَكم فإنَّ الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه - فقد خلَّط في كلامه، وخَبط في تمشية مرامه؛ فإنَّ ما ذكره أوَّلًا يساعده فيه أهل الحقِّ، وما ذكره ثانيًا - وهو مذهب الباطل - لا يساعده الشَّيطان أيضًا، وقد نبَّهْت فيما سبق على أنَّه لا دلالة في كلامه عليه، وما ذكره أخيرًا إنَّما يتَّجه على الجبريَّة، لا على أهل الحقِّ القائلين: لا جبرَ ولا تفويضَ، بل أمرٌ بين ذلك).
وفي تفسير: ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ قال: (وكون الأمور مقدَّرةً لا تتغير، لا يصلحُ علَّةً لفساد مكرهم؛ لِمَا قرَّرناه في مواضعَ مِن أنَّه لا تأثيرَ في التَّقدير كما زعمتْه الجبريَّة).
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
(١) يعني: أهل السنة الملقبين عند الزمخشري بالمجبرة، وقد بيناه في موضعه.