للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَأُخَرُ﴾: جمعُ أُخرى. وإنما لم ينصرف لأنَّه وصفٌ معدولٌ عن الآخِرِ، وإلا يلزمُ منهُ معرفتُهُ؛ لأن القياسَ أن يعرَّفَ ولم يعرَّفْ، لا أنه في معنى المعرَّفِ، أو عن (آخَر مِن) (١).

﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾: محتملاتٌ لأكثرَ من معنًى واحد، أو غيرُ ظاهر الدلالة (٢)، وفائدته: بعثُ النفوس على النظر والتفكُّرِ، وتحريضُ القلوبِ على التأملِ والتدبرِ؛ لتتمرنَ (٣) في الاستدلالِ واستخراجِ الدقائقِ، وإبرازِ مكنونات الحقائق، ويزدادَ حرصهم على تحصيلِ العلوم المتوقِّفِ عليها استنباطُ المرادِ من المتشابهاتِ، والتوفيقُ بينها وبينَ المحكمات، فإن الإنسان بذلكَ ينالُ من الثوابِ والدرجاتِ ما لا يُنال بالتقلُّبِ في العباداتِ، والمواظبةِ على سائرِ القُربات.

ومَن وهَمَ أنه لو كان كلهُ محكمًا لتعطل الطريقُ الذي لا يُتوصَّلُ إلى معرفةِ اللهِ تعالى إلا به فقَدْ وهِمَ؛ إذ لا يلزم من تركِ التأمُّل في معرفةِ معاني الألفاظِ تركُهُ في ترتُّبِ (٤) البعضِ على البعض، واستنباطِ ما فيها من العللِ والنكاتِ والفروعِ، وغيرِ ذلك.

وأما المرادُ من المحكم في قوله: ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود: ١]: المحفوظُ مِن فسادِ المعنى، وركاكةِ اللفظِ، ومن المتشابهِ في قوله: ﴿كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ [الزمر: ٢٣]: المشْبِهُ بعضه بعضًا في صحة المعنى، وجزالةِ اللفظِ.


(١) ووجهه: أنّ أصل باب التفضيل أن يستعمل بـ (مِن)، ويستغنَى به عن جمعه، فلما خالفه جعل معدولاً عنه. انظر: "حاشية الشهاب على البيضاوي" (٢/ ٦).
(٢) في هامش (د) و (ت): "وعدم ظهورها قد يكون للإجمال وقد يكون لأمر آخر، فمن اقتصر على ذكر الأول فقد قصر. منه".
(٣) في (ك) و (م): "ليتميزن".
(٤) في (ف) و (ك) و (م): "ترتيب".