ولا يقتصر على المذهبين فقط، ففي تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] قال: (ظاهرٌ في تحريم المتروك عليه اسمُ الله تعالى عمدًا أو نسيانًا، وعليه أحمدُ ومالكٌ وداودُ، خلافا للشافعي؛ لقوله ﵇:"ذبيحةُ المسلمِ حلالٌ وإنْ لم يَذكر اسم الله عليه "(١)، وفرَّق أبو حنيفة بين العمد والنِّسيان، وأوَّلَه بالميتة وما ذُكر اسمُ غير الله عليه، لقوله: ﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام: ١٤٥]).
وقد يلمّح أحيانًا لترجيح مذهبه الحنفي كما في تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] حيث قال: (والمعنى: إنْ أُحصِر المحرِمُ وأراد أن يتحلَّلَ تحلَّلَ بذبح هَدْيٍ يُسِّر عليه حيث حُصر عند الشافعي ﵁، فإن النبيَّ ﷺ أُحصر بالحديبيَة وذَبح هناك وتحلَّل، وعند أبي حنيفة: لا يَذبح إلا بالحرم، يبعثُه ولا يتحلَّلُ حتى يبلغَ مَحِلَّه، ويُعيِّن للمبعوث على يده يومَ أمارة، ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ فإن بلوغ المحلِّ يدلُّ على مسافة بين موضع الحصر وبين المحلِّ، وكذا قوله تعالى: ﴿وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح: ٢٥]).
وعند تفسير: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾: قال: ﴿إِلَى﴾ للغاية، فينتهي عندها حكمُ الغَسل عند زفرَ والشافعيِّ ومالكٍ رحمهم الله تعالى، فلا يجب غسلُها لأن الحدَّ لا يدخل تحت المحدود، وعند أئمتِنا الثلاثةِ يجب غسلها؛ لأن ضرب الغاية لا بد له من فائدةٍ، وهي إما مدُّ الحكم عليها، أو إسقاطُ ما