الشرط الثاني: أن تكون الوديعة مما لا يصح حفظه في يد من نهي عن دفعها إليه، مثال ذلك أن يودع شخص عند آخر فرساً وينهاه عن دفعها لزوجه، وليس له من عياله سواها فحفظها عندها فضاعت فإنه في هذه الحالة يضمنها، لأنه وإن كان ليس له عيال سواها، ولكن الفرس لا يصح حفظها في يد المرأة، فإذا ضاعت كان الوديع ضامناً لها على أي حال بخلاف ما إذا أودع عنده عقداً من الجواهر ونهاه عن دفعه لزوجه وليس له أحد من عياله فدفعه إليها لتحفظه، كما يحفظ ماله فإنه لا يضمنه لأنه لا بد له من حفظها سواه فخالف وفقدت فإنه لا يضمن. أما إذا نهاه عن حفظ عقد الجوهر عنده وليس له غيره فدفعه فإنه يضمن لأن عقد الجوهر لا يصح حفظه عند الخادم. ويجوز للوديع أن يحفظ الوديعة له ماله من غير عياله، كوكيله وشريكه شركة مفاوضة أو عنان على المفتى به. وليس على الوديع الثاني ضمان، فإذا أودع شخص عند آخر فرساً مثلاً، فدفعها الوديع لأجنبي ليحفظها عنده، ثم تركها وانصرف فهلكت، كان الوديع الأول ضامناً لها ولا شيء على الثاني. أما إذا دفعها إليه فهلكت قبل انصرافه، فإنه لا يضمنها أحد لأنها هلكت بحضرة الوديع، وهو أمين فلا شيء عليه، وإذا ادعى صاحب الفرس أنها هلكت عند الثاني وقال الوديع بل ردها إلي وهلكت عندي، فإنه لم يصدق إلا بالبينة، وذلك لأنه اعترف بالضمان بإيداعها عند الأجنبي وادعى البراءة فلا يصدق إلا إذا أقام على دعواه. ومن الأمور التي توجب على الوديع ضمان الوديعة أن يخلط الوديعة بماله أو بمال غيره بغير إذن مالكها، ويشمل ذلك صوراً أربعاً: إحداها: أن يخلطها خلط مجاورة كخلط الحنطة بالحنطة. ثانيها: أن يخلط ممازجة بجنسها أيضاً كخلط ماء الورد أو خلط السمن بالسمن وحكم هاتين الضورتين أن المالك مخيراً بين أمرين: الأول: أن يعتبر وديعته مستهلكة بذلك فيلزم الوديع بها ولا يكون له عليها سبيل. الثاني: أن يعتبرها موجودة فيقسم الجميع ويأخذ ما يخصه بالقسمة لأنه وإن لم يكن قد وصل إلى غير حقه في الصورة، ولكنه قد وصل إليه بالقسمة في المعنى، لأن القسمة فبما يكال أو بوزن إفراز. ثالثها: أن يخلط الوديعة بغير جنسها خلطاً يتعسر معه تمييزها خلط مجاورة كخلط القمح بالشعير فإنه وإن لم يتعذر فرز القمح من الشعير وبكنه يحصل بعسر ومشقة.