والإصلاح هو إزالة الخلل، والفساد الطارىء على الشيء، والمراد هنا في الآية إصلاح دات البين التي أفسدها بينه، وبين من قذفه، وذلك بأن يستسمحه مما فرط منه في حقه حتى يسامحه، وذلك شأن التوبة والتخلص من حقوق العباد. وقال بعض العلماء: غنه من مضى مدة عليه في حسن الحال تقبل شهادته، وتعود ولايته، ثم قدورا تلك المدة بسنة حتى تمر عليه الفصول الأربعة التي تتغير فيها الحوال والطباع، كما يضرب للعنين أجل سنة. وأما قوله تعالى: {من بعد يذلك} فالتوبة لا تكون إلا بعد الذنب، فإن سره التهويل في المر وتفظيع ما وقع فيه وتكبيره. مبحث قبول توبة القاذف الحنفية قالوا: لا تقبل شهادة المحدود في قذف وإن تاب توبة صادقة وحسنت توبته لقوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} ولأن رد شهادته من تمام الحد، لكونه مانعاً فقى بعد التوبة كأصله، بخلاف المردود في غير القذف لأن الرد للفسق، وقد ارتفع بالتوبة. وأصله: أن الاستثناء إذا تعقب جملاً متعاطفة، هل ينصرف إلى الكل، أو إلى الجملة الأخيرة؟. فالحنفية قالوا: إن الاستثناء ينصرف إلى الجملة الأخيرة فقط، وقد تقدم في الآية ثلاث جمل هي قوله تعالى: {فاجلدوهم} وقوله {ولاتقبلوا لهم شهادة أبداً} وقوله تعالى {وأولئك هم الفاسقون} والظاهر من عظف، {ولاتقبلوا} أنه داخل في حيز الحد، للعطف مع المناسبة، وقيد التأبيد، أما المناسبة: فإن رد شهادته مؤلم لقلبه، مسبب عن فعل لسانه، كما أن آلم قلب المقذوف بسبب فعل لسانه، وكذا قيد التأبيد لا فائدة له إلا بأبيد الرج، وإلا لقال: ولا تقبلوا لهم شهادة {وأولئك هم الفاسقون} جملة مستأنفة لبيان تعليل عدم القبول، ثم استثنى الذين تابوا، وهذا لأن الرد على ذلك التقدير ليس إلا للفسق، ويرتفع بالتوبة، فلا معنى للتأبيد، على تقدير القبول بالتوبة. وهو استثناء منقطع، لأن التائبين ليسوا داخلين في الفاسقين، فكأنه قيل: وأولئك هم الفاسقون، لكن الذين تابوا فإن الله غفور رحيم، أي يغفر لهم، ويرحمهم، وإذا كان الرد من تمام الحد، لكونه مانعاص، أي زاجراً يبقى بعد التوبة كأصله، أي كأصل الحد، فإنه لا يسقط بالتوبة فإن من تاب بعد ثبوت الحد عليه، لا يسقط عنه، بل يجب أن يحد مهما حسنت توبته بالإجماع واحتج الحنفية على أن حكم الاستثناء مختص بالجملة الأخيرة بوجوه.