وقد رتب الشارع على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء، الجلد ثمانين جلدة، ورد الشهادة، والحكم عليه بالفسق. وقد أردف جل شأنه ذلك الجزاء باستثناء التائبين فقال تعالى: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن الله غفور رحيم} . والتوبة هي الرجوع إلى الله بعد الاعراض عنه تعالى، والإقبال عليه بعد الإدبار، وكفى بالمعصية إعراضاً وإدباراً بل فراراً من حظيرة قدسه، وساحة رحمته. والتوبة الصادقة النصوح تنتظم في معان ثلاثة تؤدي إلى تطهير القلب، بل والجوارح أيضاً، من أدران الذنوب، وأوساخ الخطايا، وهذه المعاني الثلاثة هي معرفة ما في الذنب من الإضرار بالنفس، والابتعاد عن ساحة الرحمة، ومنزلة الرضوان، وإنه لا يقدم عليه إلا عدو نفسه، الذي غلبت عليه شهوته، فلا تحصل التوبة دون أن يتحقق هذا المعنى تحققاً يقيناً، وعلماً حضورياً يشبه علمك أن في هذا الطعام الذي اشتهيته سماً مهلكاً، قاتلاً يخبرك به الطبيب الثقة، فماذا يكون حالك وقد تورطت فأكلت الطعام اشتهاء أليس يدركك من الندم والحسرة ما ترتبك معه، وتخور له قواك، ألست تشعر حينئذ بحالة اكتئاب وحسرة على ما فرط منك، تغلب عليك لذتك ابتئاساً - وفرحتك حزناً، فهذا هو المعنى الثاني وهو الندم على ما وقع منك، وليس مجرد الندم والحسرة ويقف الشخص مبهوتاً غير مفكر إذا كان من أهل الصيرة كلا بل لا يسمى نادماً حقيقة، ويصدق في دعواه أنه ندم حتى يترتب على ندمه أثره الصحيح، وذلك فعل يتعلق بما مضى، وبما هو حاصل، وبما يستقبل من الزمان، فيقلغ عن الاستمرار في تناول ذلك الطعام الشهي حالاً، ويعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل، وعمل على تخليص معدته مما سبق منه إليها في الماضي، حتى يستريح باطنه من هذا السم القاتل، هكذا شأن التوبة من الذنوب والخطايا، ومقياس النندم أن يؤتي هذه الثمار الثلاث وهي: اولاً الإقلاع فوراً عن الاستمرار في الذنب الحالي، ثانياًـ العزم على أن لا يعود في المستقبل أبداً، ثالثاً المبادرة إلى التخلص مما فرط منه في الماضي.