للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


تعمدنا الكذب فيها، وعلمنا أنه يقتل، أو يقطع بشهادتنا لزمهما حينئذ القصاص، لآنهما تسبببا في إهلاكه، بما قتل غالباً، فأشبه ذلك الإكراه الحسي، إلا أن يعترف الولي بعلمه بكذبهما، فلا قصاص عليهما.
لأنهما لم يلجأ إلى قتله حساً ولا شرعاً، فصار قولهم شرطاً محصناً، فيجب على الولي القصاص، أما لو قال الولي عرفت كذبهما بعد القتل، فلا يسقط القصاص عنهما.
ولو ضيف بمسموم يقتل غالباً، أو ناوله صبياً غير مميز، أو مجنوناً فأكله فمات منه، وجب القصاص عليه أو ضيف به بالغاً عاقلاً، ولم يعلم الضيف بالسم حال الطعام، فدية ولا قصاص، لأنه تناوله باختياره من غير إلجاء، وقيل: يجب القصاص. واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم امر بقتل المرأة اليهودية التي سمت له الشاة بخيبر، فمات منها بشر بن وائل بن معرور، أما إذا علم الضيف حال الطعام، فلا شيء على المضيف قطعاً لأنه المهلك نفسه، ولا يجب على المجني عليه معالجة الجناية بما يدفعها، فلو ترك المجروح علاج جرح مهلك له، فمات منه وجب القصاص، جزمماً على الجارح، لأن البرء غير موثوق به لو عولج، والجراحة في نفسها مهلكة، ولو ألقاه في ماء لا يعد مغرقاً كمنبسط فمكث فيه مضطجعاً حتى هلك فهدر أو ماء مغرق لا يخلص منه إلا بسباحة، فإن لم يحسنها، أو كان مكتوفاً، أو زمناً تعمد، وإن أمكنه التخلص بسباحة مثلاً، ولكن منع منها عارض، كريح، وموج، فهلك بسبب ذلك، فشبه عمد تجب دينه، وإن أمكنه التخلص بسباحة مثلاً، ولكن منع منها عارض، كريح، وموج، فهلك بسبب ذلك، فشبه عمد تجب دينه، وإن أمكنه التخلص من الغرق فتركها، فلا دية في الأظهر.
وإن ألقاه في نار يمكن معها الخلاص منها فمكث فيها حتى مات ففي الدية قولان، وقيل: تجب الدية في الإلقاء في النار، بخلاف الماء، لأن النار تحرق بأول ملاقاتها، وتؤثر قروحاً قاتلة، بخلاف الماء، ولو حفر بئراً فرداه فيها آخر، والتردية تقتل غالباً، أو ألقاه من شاهق، فتلقاه آخر فقده، فالقصاص على القاتل في الأول، والمردي في الثاني، والقاد في الثالث، ولو ألقاه في ماء مغرف لا يمكنه الخلاص منه كلجة البحر، فالتقمه حوت وجب القصاص في الأظهر، لأنه هلك بسببه، ولا نظر إلى جهة الهلاك، كما لو ألقاه في بئر مهلكة في أسفلها سكين لم يعلم بها الملقي فهلك بها.
قالوا: ومحل الخلاف ما لم يرفع الحوت رأسه ويلقمه، وإلا وجب القصاص قطعاً، ومحله أيضاً إذا كان لا يعلم بالحوت الذي في اللجة، فإن علم به وجب القود قطعاً. كما لو ألقاه على أسد في ريببته، أو أما قطار سريق.
أما إذا ألقاه في ماء غير مغرق، فالتقمه حوت وهو لا يعلم به الملقي فلا قصاً قطعاً، لأنه لم يقصد إهلالكه، ولم يشعر بسبب الإهلاك كما لو دفعه دفعاً خفيفاً، فوقع على سكين فمات ولم يعلم بها الدافع، فتجب في الحالتين دية شبه العمد، وإن شهر المجنون سلاحاً على غيره فقتله ذلك الغير فلا ضمان عليه لانع قتله دفاعاً عن نفسه، وكذلك لو شهر الصبي سلاحاً على غيره فقتله فلا ضمان، لأنه يصير محمولاً على قتله بفعله فأشبه المكره، وكذلك فعل الدابة لو هجمت على لإنسان فقتلها فلا ضمان لأنه دفاع عن النفس.

<<  <  ج: ص:  >  >>