للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتبر في الآخرة، حتى يأثم عليه، ويعاقب به يوم القيامة أمام الله تعالى، وعند الإمام أبي حنفية رحمه الله تعالى، والإمام محمد يغسل الميت، ويصلى عليه، وندع أمره إلى الله تعالى يحاسبه، وعند أبي يوسف رحمه الله، يغسل من شج نفسه، ولا تجب الصلاة عليه، لأنه قاتل نفسه.
فالشرع لم يجعل دمه هدراً مطلقاً كالمرتد مثلاً، وجعله جنساً آخر، وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة، فصارت ثلاثة أجناس، فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال، فيكون التالف بفعل كل واحد ثلثه، فيجب على الرجل الأجنبي ثلث الدية من ماله خاصة، ويسقط الباقي لأنه هدر.
مبحث قتل الجماعة بالواحد
الشافعية رحمهم الله تعالى قالوا: تقتل الجماعة بالواحد. سواء كثرت الجماعة، أم قلت: وسواء باشروا جميعاً القتل أم باشره بعضهم، وساء قتلوه بمحدد أم بغيره، كما لو ألقوه من شاهق جبل، أو في بحر خضم، أو هدموا عليه حائطاً، ولو تفاوتت جراحاتهم في العدد والفحش والأرش، لما روي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه أنه قتل نفراً خمسة، وقيل: سبعة، برجل قتلوه غيلة أي جعلوه في موضع لا يراه أحد وقال كلمته المشهورة (لو تمالأ علي أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً) ولم ينكر عليه أحد من الصحابة الحاضرين في عصره، فصار ذلك إجماعاً، ولأن القصاص عقوبة تجب على الواحد، فيجب للواحد على الجماعة، كحد القذف وغيره، ولأنه شرع لحقن الدماء. فلو لم يجب عند الاشتراك لكان كل من أراد أن يقتل شخصاً استعان بآخرين على قتله، واتخذ ذلك ذريعة لسفك الدماء، لأنه صار آمناً من القصاص.
قالوا: وللولي العفو عن بعضهم على حصة من الدية، وعن جميعهم على الدية، ثم إن كان القتل بجراحات وزعت الدية باعتبار عدد الرؤوس، لأن تأثير الجراحات لا ينضبط، وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على وزعت الدية باعتبار عدد الرؤوس، لأن تأثير الجراحات لا ينضبط، وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة، ولو ضربوه بالسياط مثلاً فقتلوه، وضرب كل واحد منهم لو انفرد يكون غير قاتل ففي القصاص أوجه:
أحدها: يجب على الجميع القصاص، كيلا يصير ذريعة إلى القتل، وسفك الدماء ظلماً.
ثانيها: لا يجب القصاص على واحد منهم، لأن فعل كل واحد شبه عمد، فتجب الدية.
ثالثها: وهو أصحها: يجب عليهم القصاص إن اتفقوا على ضربه تلك الضربات، وكان ضرب كل واحد منهم يؤثر في إزهاق الروح بخلاف ما إذا وقع اجتماعهم اتفاقا من غير تواطؤ، فإنه تجب عليهم الدية.
وإنما يعتد في ذلك بجراحة كل واحد منهم إذا كانت مؤثرة في زهوق الروح، فلا عبرة بخدشة خفيفة، والولي يستحق دم كل شخص بكماله، إذ الروح لا تتجزأن ولو استحق بعض دمه لم يقتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>