للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وقيل: البعض بدليل أنه لو آل المر إلى الدية لم يلزمه شيء بالحصة، ولكن لا يمكن استيفاؤه إلا بالجميع، فاستوفي لتعذره، وأبطل الإمام القياس على الدية بقتل الرجل المرأة فإن دمه مستحق فيها، وديتها على النصف.
ومن اندملت جراحته قبل الموت لزمه مقتضاها دون قصاص النفس، لأن القتل هو الجراحة السارية.
الحنابلة قالوا: لا تقتلوا الجماعة بالواحد، لأن الله تعالى شرط المساواة في القصاص. ولا مساواة بين الجماعة والواحد، قال تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} وقال تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد} الآية فيجب عليهم الدية حسب الؤوس، أو يقتل واحد منهم والدية على الباقين اهـ.
الحنفية قالوا: تقتل أنفس الجماعة بالنفس الواحدة. ولا يقطع بالطرف إلا طرف واحد، وذلك لأن مفهوم القتل إنما شرع لنفي القتل، فلو لم يقتل الجماعة بالواحد لتذرع الناس إلى القتل بأن يتعمدوا قتل الواحد بالجماعة. سواء باشروا جميعاً القتل، أو باشره واحد منهم.
فقد روي (أن امرأة بصنعاء غاب زوجها، وترك في حجرها ابناً له من غيرها، غلاماً يقال له أصيل فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلاً، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى، فامتنعت منه فطاوعها، فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر، والمراة، وخادمها فقتلوه، ثم قطعوا أعضاءه وجعلوه فيعيبة، وطرحوه في ركية، في ناحية العزبة، ليس فيها ماء) .
وذكر القصة وفيها، فأخذ خليلها فاعترف، ثم اعترف الباقون، فكتب علي وهو يومئذ أمير على اليمن شأنهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فكتب عمر بقتلهم جميعاً، وقال: (والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله، لقتلتهم أجمعين) وفي هذا دليل على أن رأي سيدنا عمر رضي الله عنه قتل الجماعة بالواحد، ووافقه الصحابة رضوان الله عليهم من غير مخالف منهم، وفي ذلك إجماع من الأمة على هذا الحكم.
ولأن القتل بطريق التغالب فساد غالب، وكل فساد غالب يحتاج إلى مزجرة للسفهاء،
فالقتل بطريق التغلب يحتاج إلى حكم زاجر، والحكم الزاجر في القتل العمد هو القصاص، فهو مزجرة للسفهاء، فيجب تحقيقاً لحكمة الأحياء.
قال صحاب النهاية: وهذا جواب الاستحسان، وفي القياس لا يلزمهم القصاص، لأن المعتبر في القصاص إنما هو المساواة، لما في الزيادة من الظلم على المعتدي، وفي النقصان، من البخس بحق المعتدي عليه، ولا مساواة بين العشرة والاحد، هذا شيء يعلم ببداهة العقل، فالواحد من العشرة يكون مثلاً للواحد فكيف تكون العشرة مثلاً للواحد؟ وايد هذا القياس قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس، ولكن تركنا هذا المقياس. لما روي أن

<<  <  ج: ص:  >  >>