للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تعذبوا أحداً بعذاب الله) أو أن الحديث محمول على السياسة، حيث اضافه صلى الله عليه وسلم إلى نفسه فقال: (غرقنا) ولم يقل صلوات الله
وسلامه عليه (حرقوه أو غرقوه) وقد استدل الأحناف بهذا الحديث في وجوب القصاص، ولم يعملوا به، في الاستيفاء لقول صلى الله عليه وسلم: (لا قود إلا بالسيف) فهو أقوى من الحديث الثاني عند أهل الحديث وقد ذكر بعده، فنسخ حكمه.
مبحث من قتل ثم لجأ إلى الحرم
الشافعية قالوا: يقتص المستحق على الفور في النفس، وكذلك في الأطراف على المذهب لأن القصاص موجب الاتلاف، فيتعجل كقيم المتلفات، والتأخير لاحتمال العفو.
قالوا: ويقتص في الحرم، لأن الحرم لا يمنع من القصاص، كقتل الحية والعقرب داخل الاحرم، وسواء التجأ إليه أم لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عامم الفتح وسمع به عبد الله بن خطل التميمي الذي ارتد بعد إسلامه، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم في شعره ويلقنه لجاريتيه المغنيتين، فتتغنيان به، فخاف من الرسول وتعلق بأستار الكعبة ليستجير بها، وعند طواف النبي صلى الله عليه وسلم بها أخبر بحالته، فقال: (اقتلوه) فإن الكعبية لا تعيذ عاصياً، ولا تمنع من إقامة حد واجب فقتل وكذلك الحويرث بن نقيد، فإنه كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بهجائه، فقتله الإمام على رضي الله تبارك وتعالى عنه بمكة المكرمة.
وكذلك المقيدس بن صبابة الكندي عبد أن ارتد ورجع إلى مكة، فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، واهدر دمه، فقتله ابن عمه نميلة بن عبد الله الليثي، وهو متعلق بأستار الكعبة، وقيل: بمحل آخر، ولأن القصاص على القور، فلا يؤخر.
فلو التجأ الجاني إلى الكعبة، أو المسجد الحرام، أو غيره من المساجد، أو إلى ملك إنسان فيخرج منه ثم يقتل صيانة للمسجد، ولأنه يمتنع استعمال ملك الغير بغير غذنه، فإن هذا التأخير يسير، وخوفاً من تلوث المسجد الحرام أو المساجد الأخرى، فيخرج منها، وكذا يقتل لو التجأ الجاني إلى مقابر المسلمين، ولم يمكن قتله إلا بإراقة الدم عليها، وإذا لم يخرج الجاني من الحرم، ومكث فيه جاز إقامة القصاص عليه وقتله فيه، فإن حرمة دم الآدمي أقوى من حرمة البيت.
المالكية قالوا: لو قتل شخص إنساناً في الحل ثم دخل الحرم بعد ارتكاب جنايته فلا يؤخر، بل يجب إخراجه من الحرم، ويقام عليه الحد خارج الحرم، ولو كان الجاني محرماً، ولا ينتظر لإتمامه ولا يجوز إقامة القصاص في الحرم عليه لئلا يؤدي إلى تنجسه بالدماء، وسواء فعل موجب القصاص في داخل الحرم، أم فعله خارجه ثم لجأ إليه، ليهرب من تنفيذ القصاص
وأما قوله تعالى: {ومن دخله كان آمناً} فهو إخبار عما كان عليه الناس في الجاهلية، كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة، ودخل الحرم فيلقاه ابن القتول، فلا يهيجه حتى يخرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>