للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


أخر، وانتظر السراية، بعد القطع وليس للجاني أن يقول لولي المقتول ارحني بالقتل أو العفو، بل الخيرة في ذلك إلى المستحق، لأنه صاحب الشأن.
ولو مات بجائفة أو كسر عضو، أو نحو ذلك مما لا قصاص فيه. فللولي حز الرقبة بالسيف لا غير، لأن المماثلة لا تتحقق في هذه الحالة، بدليل عدم إيجاب القصاص في ذلك عند الاندمال فوجب السيف، فإن قال ولي المقتول: أجيفه، وأقتله أن لم يمت فله ذلك، وإن قال: أجيفه ثم أعفو لم يكن من ذلك.
ولو اقتص معطوع عضو فيه نسف الدية، من قاطعه، ثم مات المقطوع الأول بالسراية، فلوليه حز الرقبة وله عفو بنصف الدية في تركة الجاني، ولو قطعت يداه فاقتص المقطوع، ثم مات سراية فلوليه الحز لرقبة الجاني في مقابلة نفس مورثه، فإن عفا عن قتله، فلا شيء له، لأنه استوفى ما يقابل الدية، ولو مات الجاني سراية من قطع عضو منه قصاصاً، فنفسه هدر، لقوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} .
وقد روى البعقي عن عمر، وعلي رضي الله عنهما: (من مات في حد، أو قصاص، فلا دية له، والحق قتله) ولأنه مات من قطع يستحق، فلا يتعلق بسرايته ضمان، كقطع يد السارق حداً,
قالوا: يأذن الإمام، أو نائبه لواحد من مستحقي القصاص في استيفائه بنفسه، في النفس إذا طلب ذلك ليكمل له التشفي.
الحنفية قالوا: لا يجوز أن يستوفى القصاص إلا بالسيف خاصة، في جميع الأحوال، سواء كان القتل به أم بغيره، واحتجوا على مذهبهم بما أخرجه البزار، وابن عدي، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا قود إلا بالسيف) وواحتجوا بأن الشارع نهى عن المثلة، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) .
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا قود إلا بالسيف) نص على نفي استيفاء القصاص بغيره. ويلحق به ما كان سلاحاً من غير السيف، كالمدفع، والبندقة، وغيرهما، ولأن فيما ذهب الأئمة إليه استيفاء لزيادة، فلم يحصل المقصود بمثل ما فعل الجاني، فيجب التحرز عنه، كما في كسر العظم والجائفة، ولأن الآلة في الاغراق، والخنق، وإلاحراق، غير معدة للقتل، ولا مستعملة فيه لتعذر استعمالها، فتمكنت شبهد عد العمدية، ولأن القصاص مبني على المماثلة، ومنه يقال: اقتص أثره، ولا تماثل بين الجرح والدق، لقصور الثاني عن تخريب الطاهر، وكذا لا يتماثلان في حكمة الزجر، لأن القتل بالسيف غالب، وبالمثقل نادر.
وأما ما رواه الشافعية من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من غرق غرقناه ومن حرق حرقناه، من قتل عبداً قتلناه) فهو غير مرفع لأنه يلزم على قولهم أنه يجوز التحريق بالتحريق، وهو منهي عنه شرعاً، فقد

<<  <  ج: ص:  >  >>