للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والواقع أن الذين قد شهروا بإتقان السحر هم قدماء المصريين، وهؤلاء قد تحدث عنهم القرآن الكريم فقد اخبرنا بأن فرعون قد جمع من قومه كل سحار عليم، وجاء بهم مجتمعين، فماذا كان من أمرهم؟ إنهم لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، كما قال تعالى: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} فهذا صريح في أن سحرة فرعون وهم أمهر السحرة لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، ولو كان للسحر اثر حقيقي لجاؤوا به في هذا الوقت العصيب، وليس من المعقول أبداً أن يأتي فرعون بكل سحار عنيد في مقام الانتصار لعز شيء عندهم، ثم يكون قصار أمرهم أن يأتوا بخيال لا حقيقة له، وهم عالمون بغيره، والواقع أن هذه الآية تدل دلالة واضحة على أن قصاري أمر السحر هو ذلك الخيال الذي جاء به سحرة فرعون.


قالوا: وتعليم السحر حرام بلا خلاف عندهم، واعتقاد إباحته كفر.
الحنفية، والمالكية والحنابلة قالوا: يكفر السارح بتعلمه السحر، وفعله، سواء اعتقد تحريمه، أولا، ويجب على الحاكم قتله، وقد روي عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم.
كما روي عن جندب بن عبد الله، وحبيبب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز رضا، الله عليهم فإنهم قتلوا الساحر بدون الاستتابة، وفيه حديث مرفوع رواه الشيخ أو بكر الرازي في أحكام القرآن، حدّثنا أبن قانع، حدّثنا بشر بن موسى، حدّثنا أبن الأصفهاني، حدّثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن عن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حد الساحر، ضربه بالسيف" يعني القتل. وقصة جندب في قتله الساحر بالكوفة عن الوليد بن عتبة مشهورة.
الشافعية قالوا: لا يقتل الساحر ولا يكفر، إلا اعتقد إباحته.
أما الكاهن فقيل: هو الساحر، وقيل: هو العراف، وهو الذي يحدث ويتخرص، وقيل: هو الذي له من لجن من يأتيه بالأخبار.
الحنفية قالوا: إن الكاهن إن اعقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر، وإن اعتقد أنه تخيل لم يكفر.
الشافعية - قالوا: إن الكاهن إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب، وأنها تفعل ما يلتمسه منها كفر.
الحنابلة قالوا: إن الكاهن حكمه حكم الساحر، فيقتل لقوله سيدنا عمر رضي الله عنه: (اقتلوا كل ساحر وكاهن) وفي رواية إن تاب لم يقتل، ويجب أن لا يعدل عن قول الشافعية في كفر الساحر والعراف وعدمه، وأما قتله فيجب، ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد في الأرض لا بمجرد عمله، إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره، قالوا: ولا تقبل توبة الساحر والزنديق وهو من لا دين له.

<<  <  ج: ص:  >  >>