للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذه هي حجة الذين يرون أن السحر خيال لا حقيقة له.

أما الفريق الثاني فإنه يحتج بقصة هاروت وماروت الواردة في القرآن الكريم قال تعال: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحرن وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} .

ولكن الواقع أن هذه الآية الكريمة لا تصلح حجة لأنها لم تتعرض لحقيقة السحر فقد يكون نوعاً من أنواع الفتنة، أو الحيلة التي يسعى بها بعض النمامين للتفريق بين الزوجين،


وقد ورد الشرع بذم السحر قال تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} أي حيث كان وأين أقبل. وقال تعلاى: {ولا يفلح الساحرون} أي لا يظفرون بمطلوب، ولا ينجون من مكروه.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده الرسول صلوات الله وسلامه عليه من الموبقات السبع، ومن السحر ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا.
المالكية رحمهم الله قالوا: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب، بل يتحتم قتله كالزنديق: قال عياض: وقول مالك قال أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين، وذلك فيمن عمل به للباطل والشر.
أما من تعلمه لفك المسحور، ومنع الأذى عنه، أو تعلمه للعلم فقط ولم يعمل به فهو جائز.
وقد سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور، فقال: لا بأس به، وهذا هو المعتمد، فحكم السحر تابع للقصد، فمن فصد به الخير جاز له، وإلا حرم عليه، إلا أن أدى إلى الشرك، وإلا كان كافراً.
ولا يقتل الساحر إلا أن يقتل أحداً بسحره، ويثبت عليه بإقراره، وأما إذا كان ذمياً، وأوصل بسحره ضرراً لميلم يكون قد نقض العهد ويحل قتله، وإنما لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم لبيد بن الأعصم على سحره وقد كان ذمياً لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي إذا قتل لبيد بن الأعصم أن تقوم فتنة بين المسلمين في المدينة. لأنه كان من بين زريق، وهم بطن من الأنصار مشهور من الخزرج، وكان الناس حديثي بالإسلام.
وقد تبين من هذا أن السحر حق، وواقع، وقد وقع لكثير من الناس، ولا يزال يقع، ولو أنه قد قل في هذا الزمان، وقد وقع لسيدنا موسى عليه السلام كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه العزيز فقال تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لاتخف إنك أنت الأعلى} غير أن هذا السحر الذي وقع له لم يكن له أي تأثير في العقل، ولا في الوحي، ولا فيما يبلغه للناس من الأحكام، بل هو كسائر الأعراض البشرية الجائزة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلا ينافي العصمة) .

<<  <  ج: ص:  >  >>