[الواقع الثقافي في المدينة زمن المؤلف يحيى العقيقي]
لا ريب أن البيئة الثقافية التي تحيط بأي مؤرخ تؤثر في تكوينه العلمي والمعرفي بحسب ما تحويه هذه البيئة من علوم ومعارف، بل إن هذا المؤرخ هو الأجدر من غيره بالتأريخ لهذه البيئة والحديث عنها، ولا شك أن هذا التوصيف ينسحب على مؤرخنا موضوع الدراسة (يحيى بن الحسن العلوي العقيقي) وعلى هذا لزم أن نفرد هذا التمهيد للحديث عن الواقع الثقافي بالمدينة الذي أحاط بيحيي بن الحسن العلوي العقيقي وأثر في بنائه العلمي والمعرفي والثقافي في الفترة التي عاشها خلال القرن الثالث الهجري وما سبقها ممن لهم علاقة في ذلك من سلف الأمة.
من المعلوم أن المدينة تفردت بخصائص تميزها عن باقي البلدان، فبعد أن هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه أضحت قبلة العلم الأولى في الإسلام، فبها كما قال الإمام مالك:"كانت الهجرة، وبها نزل القرآن، وأحل الحلال وحرم الحرام، إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، يحضرون الوحي والتنزيل، ويأمرهم فيطيعونه، ويسن لهم فيتبعونه، حتى توفاه الله واختار له ما عنده"(١).
(١) الفسوي، أبو يوسف يعقوب بن سفيان، المعرفة والتاريخ، تحقيق: أكرم ضياء العمري، ط ٢، بيروت: مؤسسة الرسالة، ١٤٠١ هـ = ١٩٨١ م) ج ١، ص ٦٩٦.