للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل آخر مناسب للمعنى، مستوفٍ للشروط، ويوضع بعد صيغة "أفعل" مصدر الفعل الأول –الذي لم يكن مستوفيًا للشروط- منصوبًا على التمييز. فمثلًا الفعل: تعاون، لا.... يصاغ من مصدره "أفعل" التفضيل مباشرة؛ لأنه فعل خماسي؛ فنصوغه بطريقة غير مباشرة" بأن نأخذه من مصدر فعل آخر مناسب "مثل: كَبِر، كَشُر، نفع...." ونجعل بعده مصدر الفعل


=
وشر العالمين ذوو خمول ... إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا
وخير الناس ذو حسب قديم ... أقام لنفسه حسبًا جديدًا
أي: أخيرًا وأشر؛ حذفت همزتها لكثرة الاستعمال حذفًا شاذًا. ومن الجائز إرجاعها عند استعمالهما، فقد ورد الكلام الفصيح مشتملًا عليها. وفعلهما المسموع "خار يخير، وشر يشر" ويرى بعض اللغويين أنهما اسمان جامدان لا فعل لواحد منهما فمجيء التفضيل منهما شاذ عنده. ففيهما على هذا الرأي شذوذان صوغهما من الجامد، وسقوط همزتهما. أما على الرأي الأول –وهو الصحيح– ففيهما شذوذ واحد؛ هو سقوط همزتهما، لأن لكل منهما فعلًا وقد اجتمع في آية قرآنية استعمال كلمة "خير" لغير التفضيل، ثم للتفضيل، في قوله تعالى: {.... إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} .
ومثلهما في حذف الهمزة شذوذًا: "حب" في قول القائل: "وحب شيء إلى الإنسان ما منعا"، أي: أحب شيء. وجاء في ص٦٠ من مجلة المجمع اللغوي القاهري: "عدد البحوث والمحاضرات التي ألقيت في مؤتمر الدورة الثلاثين، لسنة ١٩٦٣-١٩٦٤" ما نصه على لسان أحد الأعضاء: "قالوا إن الهمزة حذفت في التفضيل من كلمتي: "خير وشر" لكثرة الاستعمال، وذلك ادعاء لا دليل عليه، ولا يتناسب مع معاني لفظي: "خير وشر" لأنهما يفيدان التفضيل أو الزيادة بماتهما، كما تفيد ذلك ألفاظ كثيرة بوضعها اللغوي: مثل زائد، وناقص، وعالٍ، وسافل.... وإن استعمال هاتين الكلمتين في معنى "أفعل" إنما كان على معنى الاستغناء بهما عن بناء وزن "أفعل" من مادتهما؛ لأن قصد المفاضلة الذي يصاغ له "أفعل" قد حصل من أصل المادة حيث لو بنى منها وزن "أفعل" لكان تحصيلًا للحاصل، أو تفضيلًا على تفضيل، وهذا هو ظاهر كلام ابن مالك في الكافية" ا. هـ.
ولا أثر لهذا الرأي يترتب عليه حكمًا خاصًا. سوى الحكم بمنع استعمال: "أخير، وأشر" بغير حجة قوية؛ إذ كيف يمتنع استعمالهما ولكل منهما فعل ثلاثي يصح صوغ التفضيل من مصدره قياسًا كسائر الأفعال الثلاثية الصالحة لذلك؟ وأيضًا فاللفظان مسموعان بصيغة التفضيل ولا اعتراض على استعمال الكلمة المسموعة بنصها الوارد. وفوق هذا فالكلمات التي سبقت هنا لتأييد المنع "ومنها: زائد ناقص، عالٍ، سافل.." كلمات يصح صوغ التفضيل من مصادرها قطعًا. فلا دليل فيها على المنع ...
وشذ كذلك صوغ "أفعل" من اسم العين، "أي: من الاسم الدال على ذات، وشيء مجسم" فقد ورد: هو أحنك البعيرين" أي: أكثرهما أكلا؛ فبنوا "أفعل" من شيء مجسم: هو، الحنك. كما شذ قولهم: هذا الكلام أخصر من ذاك فبنوه من الفعل: "اختصر" المبني للمجهول، الزائد على ثلاثة؛ فاجتمع فيه شذوذان.. وهكذا،.. وكل ما جاء مخالفًا للشروط فإنه يحكم عليه بالشذوذ؛ فيستعمل كما ورد من غير أن يقاس عليه غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>