للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول "وهو التعاون" تمييزًا منصوبًا؛ فنقول: فلان أكبر تعاونًا من أخيه، أو: أكثر تعاونًا، أو: أنفع تعاونًا، أو: أقل. أو: أضعف، ... أو ما شاكل هذا مما يساير المعنى.

والفعل: "خضر" لا يصاغ من مصدره مباشرة "أفعل" للتفضيل؛ لأنه يدل على لون ظاهر؛ فنصوغه –بالطريقة السالفة، "غير المباشرة"– من مصدر فعل آخر مناسب، ونجعل بعد "أفعل" مصدر الفعل الأول، وهو: "الخضرة" منصوبًا على التمييز. فنقول: ورق الليمون أشد خضرة من ورق القصب....١.


١ ومن المسموع من الألوان: "أسود من حلك الغراب" –"أبيض من اللبن"، وكل هذا الشاذ عندهم؛ يحفظ ولا يقاس عليه. وحكم الشذوذ هنا غير مفهوم ما دامت الكلمة نفسها قد استعملت صيغتها نصًا في المفاضلة اللونية؛ فهل يراد عدم التوسع في استعمالها في سواد شيء أو بياض شيء غير الشيء الذي وردت فيه نصًا؟ نعم، وهذا تضييق لا داعي له. بل إن منع التفضيل من كل ما يدل على لون تضييق لا داعي له أيضًا، ولا سيما بعد ورود السماع به واشتداد الحاجة إلى القياس على ذلك الوارد، بسبب ما كشف عنه العلم في عصرنا، ودلت عليه التجربة الصادقة من تعدد الدرجات في اللون الواحد، وفي العاهة الواحدة، وتفاوتها تفاوتًا واسع المدى كالمعروف اليوم في البياض، والحمرة، والخضرة، والسواد.... وسائر الألوان. وكذلك المعروف عند الأطباء في العاهات، كعاهة العمى -مثلا– فمنه عمى الألوان، وعمى الضوء.... و ... وكذا أكثر العاهات. وكل ما سبق يقتضي التفضيل بين درجات اللون الواحد –أحيانًا– والعاهة الواحدة أو العيب الواحد أيضًا. ومثل هذا يقال في التعجب –كما سبق في بابه-.
والحجة التي يحتجون بها لمنعه –"وهي: أن صيغة الصفة المشبهة القياسية للألوان؛ فيلتبس الأمر بين المعنيين" –حجة واهية يكن دفعها بالقرائن، ومنها: "من" الداخلة على المفضل عليه في مثل: فلان أبيض من فلان، وهذا الزرع أخضر من ذاك؛ فيكاد يمتنع اللبس في هذا النوع من التفضيل الذي يشتمل أسلوبه على كلمة: "من" هذه. نعم قد تشتبه أحيانًا بكلمة: "من البيانية" ولكن هذا الاشتباه يمكن دفعه أيضًا، والتغلب عليه بالقرينة التي تزيله.
وكذلك الشأن في النوعين الآخرين من أنواع "أفعل التفضيل" وهما: المقرون بأل"، و"المضاف" فإن احتمال اللبس فيهما قليل، وهو على قلته مما يمكن دفعه بالقرينة التي تحدد الغرض، وتوجه –في كل ما سبق– إلى أحد المعنيين دون الآخر؛ كما يحصل في غير هذا الباب، وبخاصة بعد موافقتهم على قياسية المعنوي "الذي سيجيء الكلام عليه بعد هذا مباشرة"، ومن ثم كان المذهب الكوفي الذي يبيح الصياغة من الألوان والعيوب والعاهات أقرب للسداد واليسر. وعليه قول المتنبي: -وهو كوفي –في الشيب:
اِبْعَدْ، بَعِدْت بياضًا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظلم
=

<<  <  ج: ص:  >  >>