للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن صاحبه الحقيقيّ؛ ليعرفه على وجه اليقين، لا التردد والشك؛ نحو: أعَمّك مسَافر أم أخوك؟ فقد وقعت "أمْ" بين شيئين، هما: "عم" و"أخ" وقبلهما همزة استفهام١ يريد المتكلم بها و"بأمْ" أن يعين له المخاطب أحد الشخصين تعيينًا قاطعًا يدل على المسافر منهما دون الآخر. فالمتكلم يعلم يقينًا أن أحدهما مسَافر؛ لكم مَِن منهما؟ هذا هو ما يجهله المتكلم، ويريد أن يعرفه بغير تشكك فيه؛ إذ لا يدري؛ أهو: العم أم الأخ؟، ومن أجله يطْلب من المخاطب أن يُعَيِّن له المسافر تعيينًا مضبوطًا، ويحدده تحديدًا يؤدي إلى كشف حقيقته وذات، فيمكن بعد هذا إسناد السَّفر إليه وحده، ونسبيته إليه، دون غيره. فالسفر المجرد ليس موضع السؤال؛ لأنه غير مجهول للمتكلم، إنما المجهول الذي يسأل عنه ويريد أن يعرفه هو تعيين أحدهما، وتخصيص فرد منهما بالأمر دون الآخر.

ومن الأمثلة أيضًا: أعادلٌ واليكم أم جائز؟ فقد وقعت "أم" بين شيئين؛ هما: عادل وجائر، وقبلهما معًا همزة الاستفهام التي يريد المتكلم بها وبأمْ استبانة أحد الشيئين، وتحديدهُ، وتعيينه، ليقتصر المعنى عليه، وينسب إليه وحده. ذلك أن المتكلم يقطع بأن هناك واليًا، ولا يشك في وجوده، ولكن الذي يجهله ويريد أن يعرفه من المخاطب هو: تعيين هذا الوالي، وتحديد أمره؛ بحيث يكون واحدًا محددًا من هذين الاثنين لا يتجه الفهم إلى غيره مطلقًا. وتسمى هذه الهمزة: "بالمغْنية عن كلمة: "أيّ" لأنها مع "أم" يغنيان عن كلمة: "أي" في طلب التعيين، وليست الهمزة وحدها -فمعنى؛ أعمك مسافر أمْ أخوك؟ هو: أيّهما المسافر؟ ومعنى أعادل وإليكم أم جائز: أيّ الأمرين واقع ومحقق؟

حكم هذا القسم:

يشترط في: "أمْ" هذه –كما سبق– أن تتوسط بين الشيئين اللذّين يراد


١ قال الصبان في باب العطف عند آخر الكلام على همزة التسوية وما يتصل بها ما نصه: "قد تكون "هل" بمعنى "الهمزة" فيعطف "بأمْ" بعدها؛ كحديث: "هل تزوجن بكرًا أم ثيبًا"؟ " ا. هـ كلام الصبان. هذا وفي شعر الحسن بن مثير "وهو أموي من شعراء الحماسة، يحتج بكلامه" قوله:
هل الله عافٍ عن ذنوب كثيرة ... أم الله –إن لم يعفُ– يعيدها؟

<<  <  ج: ص:  >  >>