فما الحاجة إلى هذا التقسيم الخماسي والسداسي ... ، مع أن القسم الثاني والثالث لا يختلفان في الأثر؟ فحكمها واحد؛ هو: شدة الحاجة معهما إلى التوكيد، وإن كانت هذه الحاجة لا تبلغ مرتبة الوجوب؛ إذ لا أهمية لزيادة أحدهما على الآخر في درجة الكثرة والنوع؛ لأنهما -معا- مشتركان عند العرب في الكثرة التي تفيد شدة الحاجة للتوكيد، وتجعل استعماله قياسيا قويا، وما يزيد على هذا القدر المشترك يصير زيادة في الدرجة البلاغية؛ لا في صحة الاستعمال وقوته، وهذه الزيادة متروكة لتقدير المتكلمين في العصور المختلفة -بعد عصور الاحتجاج- ولرغبتهم في محاكاة هذا أو ذاك على حسب مقتضيات الأحوال. فهي متنقلة بينهما؛ فإن لم تتجه الرغبة إلى محاكاة الزائد -لغرض بلاغي، وشاع الاستعمال الأدبي على إهمالها، اكتسبها الآخر وصار هو الشائع، وانتقل إليه درجة الزيادة، ولا عيب في هذا؛ فكلاهما كثير، لكنه قد يحتفظ لنفسه دون الآخر بمرتبة الزيادة في الاستعمال زمنا مؤقتا، ينتقل بعده إلى نظيره.
ومثل هذا يقال في القليل والأقل. فما الحاجة إلى تفريقهما، وعدم إدماجهما في قسم واحد ما دامت قلتهما ليست مانعة من القياس عليهما؛ لأنها قلة نسبية عددية "أي: على حسب نسبة أحدهما للآخر". ليست قلة ذاتية تمنع القياس.