ويسمى هذا الاتجاه:"حكاية الحال الماضية"، أي: إعادة حالة سبقت وحادثة وقعت، وترديد قصتها وقت الكلام، وكأنها تحصل أول مرة ساعة النطق بها، مع أنها -في حقيقة الأمر- قد حصلت من قبل، وانتهى أمرها قبل ترديدها. وهذه الصورة الغالبة في الحكاية.
والغرض من "حكاية الحال الماضية" هو الإشعار بأهمية القصة، وبصحة ما تضمنته من معنى قبل "حتى" وبعدها؛ لادعاء أنها تقع الآن -في وقت الكلام- وأن ما بعد "حتى" مسبب عما قبلها، وغاية له، فيثور الشوق إلى سماعها ويمتزج السامع بجوها.
ومن الأمثلة أيضا:"انظر إلى الفراعين يبنون قبورهم في حياتهم منحوته في الصخر الأصم حتى تستريح نفوسهم لصلابتها وقوتها، وربما أخفوها حتى يأمنون الأيدي الغابثة بها ... " فزمن بناء القبور قد انتهى وانقضى، وكذلك الاستراحة، والإخفاء، والأمن ... فكان المناسب ذكر هذه المعاني بصيغة الماضي لا المضارع، ولكن جيء بالمضارع على سبيل "حكاية الحال الماضية"؛ ليكون من وراء ذلك توجيه الأنظار إلى القصة الهامة العجيبة، وأنها صحيحة؛ كأنها تقع الآن أمامنا ساعة التكلم بما يلابسها من غرائب؛ وكأن التكلم يطلب إلى السامع التنبه إلى ما يحيط بها، وأن يستعيد صورتها كاملة ويعيش -ساعة سماعها- في جو يشابه الجو الحقيقي الذي ولدت فيه أول أمرها، دون الاكتفاء بالسماع المجرد. أو يريد منه أن ينتقل بخياله إلى العصر الحقيقي الذي وجدت فيه، ليشاهد وقت الكلام نشأتها، وتحققها هناك. فالتعبير عن القصة الماضية بصيغة المضارع و"الحال المحكية" يجعل القصة الماضية بمنزلة ما يحصل أمامنا الآن، أو يجعلنا بمنزلة من تقدم بهم الزمان فشاهدوها في وقتها الحقيقي السالف. والأمران على سبيل التخيل المحض، ولهذا يعتبر زمن المضارع حاليا تأويلا١، لا حقيقة، ويجب
١ راجع ج٢ من الصبان والخضري، باب: "إعمال اسم الفاعل"؛ حيث بيان الأمرين، وطريقتي الحال الماضية. ونزيدهما وضوحا؛ فنقول: إذا كان المعنى الذي بعد "حتى" قد وقع وانتهى زمنه قبل النطق بالجملة التي تشتمل عليها، وأريد التعبير عنه فالتعبير بالفعل الماضي هو المناسب له، والأليق. غير أن هناك بعض دواع بلاغية ومعنوية أوضحناها تدعو -أحيانا- إلى ترك التعبير بالماضي وإلى العدول=