للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دلالتها -في الغالب- على السببية الجوابية في الوقت نفسه. على حين يشتد الخلاف في جعل الواو -هننا- للأمرين مجتمعين؛ وهما: العطف والمعية؛ إذا الرأي القوي أنها تفيد المعية دائما بغير أن تكون عاطفة.

ثالثها: وهذا مهم أن فاء السببية لا بد أن تقع -غالبا- في جواب نفي أو طلب أو ملحقاتهما ... ؛ فما بعدها مسبب عما قبلها وجواب له. أما واو المعية فتقتضي مصاحبة ما قبلها وما بعدها مصاحبة حقيقية عند وقوعهما؛ أي: تستلزم تلاقيهما واجتماعهما في زمن واحد عند تحقق معناهما وحصوله، وهذه المصاحبة تمنع أن يكون ما بعد الواو مسببا عما قبلها، وجوابا له؛ لأن المسبب والجواب لا بد أن يتأخرا -حتما- في وجودهما عن السبب، وعما يحتاج إلى إجابة. وهذا التأخر يناقض المصاحبة ويعارضها. ولهذا يقول النحاة: إن صحة الفهم ودقة التعبير يقضيان بتخطئة من يقول عند الإعراب١: "واو المعية الواقعة في جواب النفي، أو الأمر، أو النهي، أو غيرهما من بقية الأنواع السالفة ... " وبتصويب من يقول: "واو المعية" الواقعة بعد النفي أو الطلب من غير ذكر لكلمة جواب؛ لأن وقوع الجملة المشتملة على هذه الواو جوابا عما قبلها يقتضي -كما تقدم- أن يكون تحقق معناها متأخرا عن تحقق معنى التي قبلها، وهذا يعارض ما تفيده واو المعية من تحقق معنى السابق عليها واللاحق في زمن واحد.

رابعها: أن واو المعية -هنا- لا بد أن يسبقها نفي محض، أو طلب، أو ملحقاتهما، ولا بد كذلك أن تدل على المصاحبة الزمنية الحقيقية عند تحقق معنى ما قبلها وما بعدها. وهذه المصحابة تقتضي أن ينصب النفي والنهي وغيرهما من بقية الأنواع، على ما قبل الواو وما بعدها معا، أي: أن النفي والنهي نظائرهما يشملان ما قبل الواو وما بعدها، لا محالة، ولا يقتصران على أحدهما دون الآخر "بشرط أن تكون الواو للمعية، والمضارع بعدها منصوبا" فمن يقول لا آكل وأتكلم، فالنفي مسلط على ما قبل الواو وما بعدها مجتمعين. أما شأنهما عند عدم مصاحبتهما فمسكوت عنه، والحكم عليه متروك، لا دخل للنفي -وغيره- به؛ فقد يقع الأكل


١ على سبيل الحقيقة، لا على ضرب من المجاز البعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>