للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- لم يشترط الكوفيون للجزم بـ"لا" أن تكون طلبية؛ فهم يصححون الجزم بعد "لا" النافية أيضا؛ بشرط أن يصح وقوع "كي" التعليلية قبلها مع استقامة المعنى؛ كالذي حكى من قول بعض العرب: "ربطت الفرس لا ينفلت" بجزم المضارع وبرفعه، فالجزم على توهم وتقدير جملة شرطية؛ أي: لأني إن لم أربطه ينفلت. وهنا يمكن وضع: "كي" قبل: "لا" من غير أن يفسد المعنى، بأن يقال: ربطت الفرس كي لا ينفلت. ومن الخير اليوم عدم الأخذ بهذه اللغة، وعدم القياس على القليل الوارد بها؛ منعا لفوضى التعبير، وما يترتب عليه -بغير داع- من اضطراب الفهم واختلافه.

أما الرفع فعلى الاستئناف.

ب- من الأساليب الصحيحة التي لها نظائر واردة في بليغ الكلام: "أحب الأصدقاء ولا تر ما المخلصون أو: ولو تر ما المخلصون ... " بمعنى: "ولا سيما ... " في كل ما تقدم. وقد سبق تفصيل الكلام على هذا الأسلوب؛ معنى وإعرابا١ ...

ح- يقرر اللغويون أن "لا، النافية"، قد تفيد النهي -دون أن تجزم- إفادة أقوى من إفادة "لا، الناهية" يدل على هذا ما سجله الشراح في قوله عليه السلام٢: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلام ... " -برفع المضارع: "يشير"، وإثبات الياء قبل الراء، فقد قال النووي في شرحه ما نصه: "قوله: لا يشير..، نهي بلفظ الخبرن وقد قدمنا مرات أن هذا أبلغ من لفظ النهي". ا. هـ٣.

ومن الأمثلة أيضا قوله عليه السلام٤ حين نزلت الآية التي تحرم الخمر تحريما قاطعا: "إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب، ولا يبيع" برفع المضارعين. ودليل الرفع عدم حذف الياء قبل آخر الفعل: "يبيع"٥.


١ في ج١ باب الموصول، عند الكلام على: "لا سيما" م٢٨ ص٢٨٧ -وتجيء إشارة لهذا في هامش ص٤٤٣، والمسموع.
٢ نقلا عن: "صحيح مسلم" ج٨ كتاب: البر، والصلة، والآداب.
٣ لأن معنى النهي هو: طلب الكف عن شيء ... ، فهو شخص طلب مجرد؛ لا يفيد بذاته أن الكف سيتحقق أو لا يتحقق. بخلاف النفي؛ ففيه قطع بعدم حصول الشيء، وجزم بأن المعنى لا سبيل إلى تحققه؛ لثقة المتكلم أن السامعين والمخاطبين لن يخالفوا ما يقرره.
٤ رواه "مسلم" في باب تحريم الخمر، من كتاب: الأشربة.
٥ لأنه معطوف على المضارع: "يشرب"؛ فلو كان المعطوف عليه مجزوما لوجب جزم المعطوف، وحذف الياء التي قبل آخره.

<<  <  ج: ص:  >  >>