للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثها ورابعها: "لم، ولما" الجازمتان١:

ويشتركان في أمور، منها: أن كلا منهما حرف نفي. مختص بجزم مضارع واحد، وبنفي معناه، وبقلب زمنه من الحال والاستقبال إلى الزمن الماضي٢، وقد تدخل همزة الاستفهام -ولا سيما التقريري-٣ على هذا الحرف، فلا تغير عمله. ومن الأمثلة قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ٤، وقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ، وقوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} .

ومثل: حضر الرحالة ولما تحضر رفاقه، وأقبل الناس على تهنئته، ولما يسمعوا منه وصف رحلته، ومثل: أيها الفتى، ألما تترك عبث الغلمان وقد كبرت؟ ألما تقبل على عملك والوطن ينتظر منك الجد والإخلاص؟

لما سبق يقول النحاة في كل واحد منهما عند إعرابه إنه: "حرف نفي، وجزم، وقلب". ثم هم يقررون أن المضارع بعدهما مضارع في لفظه وفي إعرابه، لكنه ماض في زمن معناه، سواء أكان مضيه متصلا بالحال أم غير متصل.


١ لا تكون "لم" في جميع استعمالاتها إلا قافية جازمة. بخلاف "لما" -كما سنذكر- فلها استعمالات متعددة؛ منها: الجزم، ومنها: أن تكون ظرفا بمعنى: "وقت، أو حين" "وقد سبق الكلام عليها في باب الظرف "ج٢ م٧٩ ص٢٨٥" ومنها: أن تكون حرفا بمعنى "إلا" الاستثنائية. وقد أوضحناها في باب: الاستثناء "ج٢ م٨٣ د ص٣٣٦".
٢ فيكون الفعل مضارعا في صورته وفي إعرابه، ولكن زمنه ماض. إلا إن كانت "لم" مسبوقة بأداة شرط للمستقبل المحض كما في الصفحة الآتية.
٣ وهو: حمل المخاطب على الإقرار "أي: على الاعتراف" بالحكم الذي يعرفه فيما جرى بشأنه الاستفهام. وقد يكون إقراره إثباتا، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} أو نفيا. كقوله تعالى يخاطب عيسى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فليس المراد حمله في كل الأحوال على الإقرار والموافقة على ما جاء منفيا بعد الهمزة؛ وإنما المراد حمله على الإقرار بالإثبات ما بعدها حين يقتضي المعنى الإثبات، ونفيه حينا آخر تبعا للمعنى أيضا. وقد يكون المراد من الاستفهام هنا: إظهار الاستبطاء، والحث على الإسراع: كقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} أو التوبيخ؛ نحو قوله تعالى يخاطب الكفار يوم القيامة: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} وقد سبقت الإشارة المفيدة للاستفهام التقريري في نواصب المضارع، عند الكلام على: "فاء السببية" في رقم ١ من هامش ص٢٥٧.
٤ وقول الشاعر:
إذا مر بي يوم ولم أتحذ يدا ... ولم أستفد علما فما ذاك من عري

<<  <  ج: ص:  >  >>