للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦- أن بعض العرب قد ينصب بها، وبعضا آخر قد يهملها فلا تنصب ولا تجزم، وإنما تتجرد للنفي المحض؛ فمثال النصب بها قراءة من قرأ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ١. ومثال لإهمال قول الشاعر:

لولا فوارس من ذهل وأسرتهم ... يوم٢ الصليفاء لم يوفون بالجار

ومن المستحسن الآن الانصراف عن هذين الرأيين، وعدم محاكاة واحد منهما؛ منعا للفوضى البيانية، الضاره.

ومما تنفرد به "لما:

١- صحة حذف المضارع المجزوم بها، والوقوف عليها بعد حذفه، في النثر وفي الشعر؛ كقول أحد القواد الرحالين: "لما دخلت دمشق عزمت على زيارة قبر صلاح الدين الأيوبي، فما كدت أقترب منه حتى امتلأت نفسي هيبة، وسرت في جسدي رهبة لم أستطع منها خلاصا إلا على صوت رائدي يقول: "تقدم للدخول" ... فتقدمت ولما ... ، وبقيت في غمرة من جلال الموت، وعبرة التاريخ؛ أردد قول الشاعر:

فجئت قبورهم بدءا٣ ولما ... ... فناديت القبور فلم يجبنه٤


١ ومن الأمثلة ما ساقه ابن جني في كتابه: "المحتسب" -ج٢ ص٢٦٧- حيث استشهد للنصب -كغيره- بالقراءة السالفة، ثم قال بعدها ما نصه: "قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد:
من أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر ...
ا. هـ.
٢ الظرف: "يوم" متعلق بمحذوف خبر، تقديره: لولا فوارس موجودة يوم الصليفاء. ولا يصبح تعليقه بالفعل الذي بعده؛ لأن ما في حيز جواب "لولا" -وغيرها مما يحتاج لجواب- لا يتقدم على الجواب. و"الصليفاء" في الأصل: مصغر "الصلفاء" بمعنى: الأرض الصلبة. وهي هنا موقعة من أشهر مواقع العرب.
٣ البدء: السيد.
٤ الهاء التي في آخر هذا المضارع هي: "هاء السكت" الساكنة. والبيت لشاعر يتحسر على من مات من قومه، وأن موت عظمائهم قد أخلى له الطريق، كي يكون سيدا بعد موتهم، مع أنه لم ين كذلك في حياتهم. وهو معنى قريب من قول الآخر:
خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسودد
وفي ذلك البيت الأسبق مخالفة لما يلازمها من وجوب اتصال نفي منفيها بالزمن الحالي؛ طبقًا لما يجيء في رقم ٢؛ وقد تكلفوا التأويل لإبعاد هذه المخالفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>