للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} ، والأصل: وإن يكذبوك فلا تحزن، فقد كذبت رسل من قبلك١، ولا يصح أن تكون الجملة المذكورة هي الجواب؛ لأنها ليست مترتبة على ما قبلها. وكذلك قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} فالجواب المحذوف تقديره: فليبادر للعمل الصالح.

والكوفيون لا يشترطون لحذف الجواب أن يكون فعل الشرط ماضيا، بل يجيزون أن يكون مضارعا، ولذا يقولون فيما سد مسده، إنه الجواب الحقيقي، وليس بالدليل، ولا بالساد مسد الجواب، مستدلين بأمثلة كثيرة تؤيدهم، كالآيتين السالفتين، وكقول الشاعر٢:

لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ... ليعلم ربي أن بيتي واسع

فقد حذف جواب الشرط "إن" مع أن فعله مضارع؛ وهو: "تلك"، أما جملة "ليعلم X" فهي جواب القسم الذي تدل عليه اللام الداخلة على "إن"، ولا يصح -في الراجح- أن تكون هذه الجملة جوابا للشرط، لأنه متاخر هنا عن القسم، ولأن جوابه لا يكون مبدوءا باللام. وكذلك قول الشاعر:

يثني عليك، وأنت أهل ثنائه ... ولديك إن هو يستزدك مزيد

والأصل: إن يستزدك٣ -هو- يستزدك فلديك مزيد.

والأخذ برأي الكوفيين -وإن كان ليس بالأعلى هنا- أنسب وأيسر؛ بسبب الشواهد القوية الكثيرة التي تؤيدهم، وبسبب ما يراه أكثر المحققين، وهو: "أن جواب الشرط قد يكون غير مترتب على فعل الشرط" -كما أوضحناه من قبل٤.

ومتى اجتمع الشرطان الخاصان بالحذف صار الحذف غالبا، وقيل إنه واجب، والأول أنسب.


١ لهذا إشارة في الصفحة السابقة، وهامشها.
٢ هو الكرميت بن معروف من الشعراء المخضرمين -كما جاء في هامش كتاب: "معاني القرآن" للفراء، ص٦٦.
٣ على هذا التقدير يكون فعل الشرط مضارعا -عندهم؛ بدليل تفسيره بمضارع بعده. أما غيرهم فيجعل البيت من الشواذ -وقد سبق البيت لمناسبة أخرى ص٤٥١.
٤ في رقم ٦ من هامش ص٤٢١ على أن الخلاف بين الفريقين يكاد يكون لفظيا في تسمية المذكور؛ أهو جواب أم ساد مسده. كما قلنا في رقم ٣ من هامش الصفحة السالفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>