للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإن لم يوجد في الكلام ما يعود عليه المبتدأ الضمير كان الضمير للشأن أو للقصة، كقراءة من قرأ قوله تعالى في حكمة شهادة المرأتين: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} بكسر همزة: "إن" ورفع المضارع: "تذكر". والتقدير: فهي -أي: القصة- تذكر، ونحو: إن قام المسافر فيتبعه صديقه. أي: فهو -الحال والشأن- يتبعه صديقه "وفي هذه القراءة نوع تكلف لا داعي له".

ومن أمثلة عدم اقترانه "بالفاء" مع نفيه بالحرف "لا" ووجوب جزمه باعتبار هذا المضارع وحده جوابا للشرط مباشرة - قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} فالمضارع: "تحصوا" هو جواب الشرط مجزوم بحذف النون.

٢- إن كان فعل الجواب ماضيا متصرفا، مجردا من "قد" و"ما" ... وغيرهما مما يتصل به ويوجب اقترانه بالفاء -طبقا لما تقدم- فله ثلاثة أضرب: فإن كان ماضيا لفظا ومعنى فالواجب اقترانه بالفاء على تقدير: "قد" قبله إن لم تكن ظاهرة؛ لتقربه من الحال القريب من الاستقبال؛ كقوله تعالى في سورة يوسف: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} ١ أي فقد صدقت.

وإن كان ماضيا في لفظه مستقبلا في معناه، غير مقصود به وعد أو وعيد -امتنع اقترانه بالفاء: نحو إن قام المسافر قام زميله.

وإن قصد بالماضي الذي معناه المستقبل، وعد أو وعيد، جاز اقترانه بالفاء على تقدير: "قد"؛ إجراء له مجرى الماضي لفظا ومعنى للمبالغة في تحقق وقوعه، وأنه بمنزلة ما وقع. ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ} وجاز عدم اقترانه مراعاة للواقع وأنه مستقبل في حقيقته وليس ماضيا. ويندرج تحت الوعد والوعيد ما كان غير صريح في أحدهما ولكنه ملحوظ في الكلام، مراد


١ المضي حقيقي هنا. وقد يقال إنه مؤول بمثل التأويل الذي جرى على آية أخرى سبقت "في رقم ٣ من ص٤٤٤" وهي قوله تعلى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} . إذ المراد فيهما: إن يثبت في المستقبل أني قلته فقد علمته، وإن يثبت في المستقبل أن قيمصه قُد.
ومثل هذا التأويل حسن إن استقام عليه المعنى؛ فيجدر الاقتصار عليه في هذه الصورة المعينة ومنع إباحته إن لم يستقم عليه المعنى، وبهذا التقييد تمتنع الصور الأخرى الخالية من "قد" لفظا، والتي قد يقع في الوهم الخاطئ والاعتبار الفاسد واشتمالها على "قد" تقديرا مع أنها مفقودة.

<<  <  ج: ص:  >  >>