= ما صح في سابقه من عطف المفرد على المفرد "بعطف كلمة: "النثر" على كلمة: "الشعر" التي هي اسم "إن"، لأن العطف على اسم "إن" مباشرة يؤدي هنا إلى تقرير مرفوض، إذ يجعل أصل الكلام، إن الشعر والنثر محمود في مواطن، فيقع الخبر غير مطابق، لأنه مفرد، واسم إن مع ما عطف عليه بالواو متعدد في حكم المثنى، فتضيع المطابقة اللفظية الواجبة بين المبتدأ والخبر، أو: بين ما أصله المبتدأ والخبر، إذ لا يصح أن يقال: "إن الهواء والماء ضروري للحياة بإعراب كلمة: "الماء" معطوفة على: "الهواء" عطف مفردات.... وهذا يقال أيضا في المثال الثالث:"إن الإهمال مفسد للأعمال والجهل" فالنصب جائز على اعتبار عطف الجملة، فيكون التقدير: إن الإهمال مفسد للأعمال وإن الجهل مفسد.... ولا يصح أن يكون عطف مفرد بالواو على مفرد، كي لا يؤد إلى عدم المطابقة اللفظية، يجعل التقدير: إن الإهمال والجهل مفسد للأعمال.....
وهكذا كل أسلوب آخر يشبه هذا الأسلوب ... أما حيث لا مانع من عطف المفردات فيجوز مراعاته، أو مراعاة عطف الجمل كما في المثال الأول....
ب- تعليل الرفع عند تأخر المعطوف أيضا عن الخبر والاسم معا.
يرى بعضهم: أن سبب الرفع في كلمة: "الشموس - النثر - الجهل - النفط" وأشباهها - هو اعتبار كل واحدة منها، مبتدأ خبره محذوف، يفسره خبر "إن" والجملة الاسمية، المكونة من هذا المبتدأ، وخبره المحذوف معطوفة على الجملة الاسمية الأولى المكونة من "إن" ومعمولها. فأصل الكلام إن الأقمار دائرات "والشموس دائرات"- إن الشعر محمود في مواطن "والنثر محمود في مواطن...." وهكذا.... فالعطف عطف جملة اسمية على جملة اسمية.
ويرى آخرون: أن هذه الكلمات المرفوعة معطوفة على الضمير المستتر في خير" "إن" وخاصة إن كان الخبر مشتقا وبينه وبين المعطوف فاصل، لأن الخبر المشتق يحوي الضمير المستتر بغير تأويل، ولأن وجود الفاصل يرضي، القائلين بأنه: "لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل- ومنه المستتر - إلا مع فاصل بين المعطوف والمعطوف عليه "الذي هو: الضمير". فكلمة. "الشموس" يجوز رفعها، لأنها معطوفة على الضمير المستتر في "دائرات" وتقدير الضمير: "هي". والفاصل بينهما موجود. وكلمة "النثر" يجوز رفعها باعتبارها معطوفة على الضمير المستتر في كلمة: "محمود، وتقديره: "هو". والفاصل موجود أيضا. وكلمة: "الجهل" معطوفة على الضمير المستتر في كلمة: "مفسد" وتقديره: "هو"، والفاصل موجود، وهكذا..... فالعطف عطف مفردات.
ويرى فريق ثالث: أن العطف إنما هو على اسم "إن" مباشرة، باعتباره في الأصل مبتدأ مرفوعا قبل مجيء الناسخ، فيجوز الرفع مراعاة لذلك الأصل بشرط ألا يتعارض مع المطابقة المطلوبة بين معمولي: "إن".
ولكل فريق من الثلاثة - وغيرهم - أدلة في تأييد مذهبه، وفي الرد على معارضيه. لكن الحق أن كثيرا من تلك الأدلة جد لي، وأن كثيرا من الأساليب العربية الفصيحة ينطبق عليها بعض الآراء دون بعض.
ننتقل بعد ذلك إلى الحالة الثانية التي يتأخر فيها الخبر ويتقدم عليه المعطوف، فيتوسط بينه وبين اسم "إن" وقد قلنا: "إنه يجوز فيها الرفع النصب أيضا. ولو لم نأخذ بهذا الرأي لوقعنا في لجة غامرة من التمحل والجدل، والتأويل الذي لا خير فيه، والذي يمتد إلى القرآن الكريم، والكلام الفصيح من غير داع مستساغ. وتوجيه النصب هنا يحتاج لمزيد من اليقظة والإدراك، كما سيتبين مما يأتي: