للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعنينا الآن من تلك المواضع ما يكون فيه المجرور مصدرا مؤولا من حرف


= وعند نصبه أيجوز أن يكون مفعولًا به لعامله المذكور، أم لا يجوز؟ وما حكم المصدر المؤول إذا كان مجررًا بالحرف المحذوف؟ أيكون في محل جر أم في محل نصب على: "نزع الخافض" أو على أنه مفعول به العامل الجديد؟ ... و ... و ... ، بحوث جدلية، وتفريعات متشعبة، وصفوة ما يقال: هو أن حذف الجار على أربعة أنواع:
أ- نوع يحذف وينصب بعده المجرور بما يسمى: "النصب على الحذف والإيصال" - أين نزع الخافض -؛ مثل قولهم: تمرون الديار - توجهت مكة - ذهبت الشام، وهذا نوع قليل جدًا - فهو غير مطرد، وقد أوضحنا بإفاضة - في ص ١٥٩ - حكمه بأنه سماعي محض؛ فلا يجوز في الفعل - وشبهه - الذي ورد معه أن ينصب على نزع الخافض لفظًا غير مسموع، ولا يجوز في الاسم المنصوب على نزع الخافض أن ينصب على هذه الصورة إلا مع الفعل الوارد معه؛ فلا يجوز تمرون الحقول، ولا: توجهت الحديقة، ولا ذهبت النهر، ولا أشباه هذا؛ لأن تعدية هذه الأفعال لم ترد عن العرب -فما يقال- إلا في: "الديار" و"مكة" و"الشام" على التوزيع السالف، وكان ورودهما فيها قليلًا جدًا فلا يسمح بالقياس، ومثلهما: مطرنا السهل والجبل، وضربت الخائن الظهر والبطن، أي: في السهل والجبل - وعلى الظهر والبطن.
والقول بأن هذه الأسماء منصوبة على نزع الخافض أولى من القول بأنها مفعول به، وأن الفعل قبلها نصبها شذوذًا؛ لأن نصبها على المفعولية مباشرة ولو على وجه الشذوذ - قد يوحي - خطأ - أن الفعل قبلها متعد بنفسه؛ وأن المعنى لا يحتاج إلى المحذوف؛ فيقع في الوهم إباحة تعديته مباشرة في غيرها، لكن إذا قلنا: "منصوبة على نزع الخافض" سماعًا كان هذا إعلانًا صريحًا عن حرف جر محذوف، نصب بعده المجرور؛ فيكون النصب دليلا على ذلك لا يستقيم المعنى إلا بملاحظته، وتقدير وجوده.
ومن هذا النوع المنصوب سماعًا ما نصب على نزع الخافض للضرورة.
والنصب على نزع الخافض -في السعة أو في الضرورة- هو النوع الأشهر مما يتردد في كثر من المراجع اللغوية باسم: "الحذف والإيصال" ويراد به هنا: حذف حرف الجر، ونصب مجروره، وإيصاله بالعامل المحتاج للتعدية بعد حذف الجار، وقد تردد كذلك في عديد من المراجع اللغوية - ورد اسم كثير منها في كتاب: "السماع والقياس" ص ٧٤ لأحمد تيمور - النص الصريح على أن الحذف والإيصال، مقصور على السماع، ولا يجوز استخدامه قياسًا، وهذا الرأي هو الذي ارتضاه الصبان كذلك، ونقلنا كلامه في رقم ٤ من هامش ص ١٧١ ومن الواجب الاقتصار عليه؛ منعًا للإفساد اللغوي الذي يترتب على رأي ضعيف آخر يعارضه، ومن بعض صوره ما أشرنا إليه في رقم ٣ من هامش ص ١٧١.
ب- نوع يحذف وينصب بعده المجرور أيضًا، ولكن على اعتباره مفعولًا به مباشرة - العامل الذي يطلبه؛ كالحرف التي يكثر استخدامها في تعدية بعض الأفعال المسموعة، فتجر الأسماء بعدها، وكذلك يكثر حذفها بعد تلك الأفعال المعنية؛ فتنصب الأسماء بعد حذفها؛ مثل الفعل: "دخل" فقد استعملته العرب كثيرًا متعديًا بالحرف: "في" مثل: دخلت في الدار، وكذلك استعملته بغير "في" ونصبت ما بعده فقالت: دخلت الدار، ولم تقتصر في حالة وجوده أو حذفه على كلمة "الدار" بل أكثرت من غيرهما، مثل: المسجد - الغرفة - الخيمة - القصر - الكوخ ... ، فكثرة استعمال الفعل بغير حرف الجر، ووقوع تلك الأسماء المختلفة بعده منصوبة مع عدم وجود عامل آخر - كل ذلك يدعو إلى الاطمئنان =

<<  <  ج: ص:  >  >>