للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"تكلما": مصدر منصوب بالمضارع المحذوف، المجزوم بلا الناهية١، ونائب عنه في تأدية معناه، وفاعل المصدر ضمير مستتر فيه، تقديره: أنت، وهذا الضمير انتقل للمصدر النائب من المضارع المحذوف -كما تقدم.

ومثال الدعاء بنوعيه٢ قول زعيم: "ربنا إنا قادمون على معركة فاصلة مع طاغية جبار؛ فنصرًا عبادك المخلصين، وهلاكًا وسحقًا للباغي الأثيم"، أي: فانصر –بارب– عبادك المخلصين، وأهلك واسحق الباغي الأثيم ...

ومنه "سقيًا" و"رعيًا" ٣ لك، "وجدعًا وليًا" لأعدائك، وإعراب المصادر في هذه الأمثلة كإعرابها في نظائرها السابقة.

ومثال الاستفهام التوبيخي٤: أبخلًا وأنت واسع الغنى؟ أسفاهة وأنت


١ والأصل قبل الحذف فيهما: اسكت سكوتًا، لا تتكلم تكلمًا، ولا يكون حذف المضارع المجزوم "بلا" الناهية واجبًا إلا في هذه الصورة – كما سيجيء هذا في موضعه من باب: "الجوازم"، ج ٤ م ١٥٣ عند الكلام على "لا الناهية".
٢ الخير والشر.
٣ يوجب أكثر النحاة حذف العامل هنا؛ مراعاة للسماع، ويكون التقدير: "اسق يا رب، ارع يا رب، الدعاء لك أيها المخاطب"، فالجار والمجرور في الصورتين خبر لمحذوف؛ تقديره: الدعاء –مثلًا– ولا يصح أن يكون الجار والمجرور متعلقين بالمصدر قبلهما؛ لئلا يفسد المعنى؛ إذ يكون: اسق يا رب لك – ارع يا رب لك وهذا فاسد؛ لأن السقي ليس مطلوبًا لله، وكذلك الرعي. من أجل هذا قالوا بحق في مثل: سقيا لك – إن الكلام جملتان وليس جملة واحدة.
على أن لهذا البحث تفصيلات واسعة وتفريعات دقيقة؛ لا غنى عن الإلمام بها لتعدد أحكامها بتعدد استعمالاتها – وقد سجلناها في ج ١ ص ٣٧٢ م ٣٩.
ويجيز فريق من النحاة عدم التقيد بوجوب حذف العامل في مثل هذه الصورة المسموعة، ورأيه سائغ، والأول هو الأفصح والأقوى - كما سيجيء ي "ح" من ص ٢٣٢.
٤ قد يكون التوبيخ للمتكلم، بأن يوجه صيغة التوبيخ مشتملة على الخطاب يريد بها نفسه، بقرينة، كقول القائل لنفسه: أتركا للعمل وأنا فقير؟ وقد يكون التوبيخ للمخاطب، نحو: أسرقة وأنت غني؟ وقد يكون للغائب: نحو: أخوفًا وهو جندي؟ وقد يكون التوبيخ مسبوقًا بأداة استفهام، إما مذكورة صراحة، أو ملحوظة في حكم المذكورة، وإما غير مذكورة ولا ملحوظة، فمثال المذكورة وما في حكمها قول الشاعر:
أذلا إذا شب العدا نار حربهم؟ ... وزهوًا إذا ما يجنحون إلى السلم؟
والأصل: أتذل ذلًا؟ وتزهو زهوًا"، فالأول مسبوق بهمزة الاستفهام المذكورة، والثاني مسبوق بها ملاحظة وتقديرًا، ومثال غير المذكورة وغير المقدرة قول الشاعر:
خمولًا، وإهمالا، وغيرك مولع ... بتثبيت أسباب السيادة والمجد
أي: تخمل خمولًا، وتهمل إهمالًا ...

<<  <  ج: ص:  >  >>