للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله: "إذا تعبت من القراءة فاتركها لأشياء أخرى؛ فإما مشيًا في الحدائق، وإما استماعًا للإذاعة، وإما عملًا يدويًا مناسبًا"، فالمصادر "مشيًا""استماعًا""عملًا" ... موضحه ومفصله لأمر غامض مجمل في جملة قبلها، يحتاج لبيان، هو: "الترك لأشياء أخرى" فعامل كل منها محذوف وجوبًا، والتقدير: تمشي مشيًا – تستمع استماعًا – تعمل عملًا ... فهي مصادر منصوبة بفعلها المحذوف الذي نابت عنه في تأدية معناه ... وانتقل إليه الفاعل بعد حذف العامل؛ فصار فاعلًا مستترًا للمصدر النائب، والتقدير: "أنت"، ومثل قول الشاعر:

لأجهدن؛ فإما درء واقعة ... تخشى، وإما بلوغ السؤل والأمل

والتقدير: فإما أدرأ درء واقعة، وإما أبلغ بلوغ السؤال ...

ومنها: الأسلوب الذي يكون فيه المصدر مكررًا أو محصورًا، ومعناه مستمرًا إلى وقت الكلام، وعامل المصدر واقعًا في خبر مبتدأ اسم ذات١، فمثال المكرر: المطر سحا سحا – الخيل الفارهة٢ صهيلًا ٣ صهيلًا، وقول الشاعر:

أنا جدًا جدًا ولهوك يزدا ... د إذا ما إلى اتفاق سبيل


١ الشروط أربعة: أن يكون المصدر مكررًا أو محصورًا، وأن يكون عامله خبرًا لمبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وأن يكون هذا المبتدأ اسم عين؛ "أي: اسم ذات مجسمة"، فلا يراد به أمر معنوي "عقلي" كالعلم – الفهم – النيل - البراعة ... ، وأن يكون معنى المصدر مستمرًا إلى زمن الحال؛ لا منقطعًا ولا مستقبلًا محضًا، فإن فقد شرط من الشروط لم يكن الحذف واجبًا، وإنما يكون جائزًا - في رأي.
ويقوم مقام التكرار والحصر لسالفين بشرط استيفاء باقي الشروط – دخول الهمزة على المبتدأ نحو: أأنت طيرانًا، والعف على المصدر؛ نحو أنت طيرانًا وعومًا.
ويلاحظ هنا ما سبق أن أشرنا إليه "في ب من ص ٢١٩" من أن حذف عامل المؤكد ممنوع –على الصحيح– إلا حين يكون المصدر نائبًا عن فعله في المواضع التي ينوب فيها عنه، "ومنها هذه الصورة التي ينوب فيها وجوبًا عند استيفاء الشروط، وجوازًا –في رأي– عند فقد شرط أو أكثر"، وأن الأحسن اعتبار المصدر النائب عن عامله قسمًا رابعًا مستقلًا بنفسه؛ لأنه قد يؤكد عامله المحذوف، والأصل في المؤكد ألا يحذف عامله، فلدفع هذا التعارض يعتبر قسمًا مستقلًا؛ كي لا يدخل في قسم المؤكد غير النائب، فيقع تعارض واضح بين حكم المؤكد، وهو يقتضي عدم حذف عامله، وحكم هذه الأنواع التي يكون فيها المصدر نائبًا عن عامله ومؤكدًا له، مع أن هذا العامل محذوف "كما أشرنا في رقم ٤ من هامش ص ٢٠٩، وفي رقم ٢ من هامش ص ٢٢٠.
٢ النشيطة القوية.
٣ الصهيل: صوت الخيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>