للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال المحصور: "ما الأسد مع فريسته إلا فتكا – ما النمر عند لقاء الفيل إلا غدرًا"؛ التقدير: يسح سحًا سحًا – تسهل صهيلًا صهيلًا – أجد جدًا جدًا – إلا يفتك فتكًا – إلا يغدر غدرًا – فهذه المصادر وأشباهها؛ تقتضي – بسب التكرار، أو الحصر – حذف فعلها، وهي منصوبة بفعلها المحذوف وجوبًا، ونائبة عنه في بيان معناه، ومتحملة لضميره المستتر الذي صار فاعلًا لها، وتقديره: "هو"، أو: "هي" على حسب نوع الضمير المستتر.

ومنها: الأسلوب الذي يكون فيه المصدر مؤكدا لنفسه، بأن يكون واقعا بعد جملة مضمونها كمضمونه، ومعناها الحقيقي -لا المجازي١- كمعناه، ولا تحتمل مرادا غير ما يراد منه، فهي نص في معناه٢ الحقيقي، نحو: "أنت تعرف لوالديك فضلهما يقينا"، أي: توقن يقينا، فجملة: "تعرف لوالديك فضلهما" هي في المعنى: "اليقين" المذكور بعدها؛ لأن الأمر الذي توقنه هذا هو: الاعتراف بفضل والديك، والاعتراف بفضل والديك هو الأمر الذي توقنه، فكلاهما مساو للآخر من حيث المضمون.

ومثلها: سرتني رؤيتك حقا، بمعنى: أحق حقا، أي: أقرر حقا، فالمراد من: سرتني رؤيتك، هو المراد من: "حقا"، إذ السرور بالرؤية هو: "الحق" هنا، والحق هنا هو: السرور بالرؤية"، فمضمون الجملة هو مضمون المصدر، والعكس صحيح.

فكلمة: "يقينا"، و"حقا" وأشباههما من المصادر المؤكدة لنفسها، منصوبة بالفعل المحذوف وجوبا، النائبة عن في الدلالة على معناه، أما فاعله فقد صار بعد حذف الفعل فاعلا للمصدر، وهذا الفاعل ضمير مستتر تقديره في المثالين: أنا.

ولا يصح في هذا النوع٣ من الأساليب تقديم المصدر على الجملة التي يؤكد معناها، ولا التوسط بين جزأيها.


١ لأن المجازي قد يراد منه ما لا يراد من المعنى الحقيقي للمصدر، فقد يراد في الأمثلة الآتية السخرية أو التهكم ...
٢ ولذلك سمي المؤكد لنفسه؛ لأنه بمنزلة إعادة الجملة التي تتضمن معناه نصًا؛ فكأنه نفس الجملة التي أعيدت؛ وكأنها ذاته.
٣ من هذا النوع: لا أفعل الأمر ألبتة، فكلمة: "ألبتة"، مصدر حذف عامله وجوبا.
والتاء فيه ليست للتأنيث، وإنما هي للوحدة، ومعنى "البت" القطع، أي: أقطع في هذا الأمر القطعة الواحدة، لا ثانية لها، فلا أتردد، ثم أجزم بعد التردد، وقد تكون "أل" هنا للعهد، أي: القطعة المعهودة بيننا؛ وهي التي لا أتردد معها. فألبتة: تفيد استمرار النفي الذي قبلها، ولو لم توجد لكان انقطاعه محتملًا.
والأفصح ملازمة: "أل" لكلمة: "ألبتة" في الاستعمال السالف، وأن تكون همزتها للقطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>