ومعنى الإهلال رفع الصوت من قولهم: استهل الصبي إذا صاح، والأصل فيه أنهم كانوا إذا رأوا الهلال صاحوا فيقال: استهل الهلال، ثم قيل لكل صائح مستهل. وإنما يرفع صوته بالتلبية لما روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:"أتاني جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية" رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقال أنس: "سمعتهم يصرخون بها صراخًا» وروي عن الصديق: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل: أي الحج أفضل؟ قال: العج والثج» . وهذا حديث غريب رواه الترمذي ومعنى العج رفع الصوت، والثج إسالة الدماء بالذبح والنحر. وقال ابن عباس: رفع الصوت زينة الحج. وقال أبو حازم: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية. وعن سالم قال: كان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية فلا يأتي الروحاء حتى يضمحل صوته.
١ -
مسألة ٣٤: ولا يجهد نفسه في رفع الصوت زيادة على الطاقة لئلا ينقطع صوته فتنقطع تلبيته. وجاء في الصحيحين عن ابن عمر «أن تلبية رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» رواه البخاري عن عائشة، ومسلم عن جابر. والتلبية مأخوذة من قولهم لب بالمكان إذا لزمه، فكأنه قال: أنا مقيم على طاعتك وأمرك غير خارج عن ذلك ولا شارد عليك، هذا وما أشبهه. وكرره، لأنه أراد إقامة بعد إقامة، كما قالوا: حنانيك، أي رحمة بعد رحمة أو رحمة مع رحمة. ويقول: لبيك إن الحمد، بكسر الألف نص عليه أحمد. قال ثعلب: من قال بكسر الألف فقد عم، ومن قال بفتحها فقد خص، يعني أن من فضل كسر الألف جعل الحمد على كل حال، ومن فتح فمعناه لبيك لأن الحمد لك، أي لبيك لهذا السبب.