أجمع المسلمون على أن الحانث في يمينه بالخيار، إن شاء أطعم، وإن شاء كسا، وإن شاء أعتق، أي ذلك فعل أجزأه؛ لأن الله سبحانه عطف هذه الخصال بعضها على بعض بحرف " أو " وهى للتخيير، قال الله سبحانه:{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[المائدة: ٨٩] ، والواجب في الإطعام إطعام عشرة مساكين؛ لنص الله سبحانه على عددهم، ويعتبر فيهم أربعة شروط:
الأول: أن يكونوا مساكين، وهم الصنف الذي يدفع إليهم في الزكاة، والفقير داخل فيهم؛ لأنه مسكين وزيادة.
وأن يكونوا أحرارا، واختار الشريف أبو جعفر دفعها إلى المكاتب؛ لأنه ممن يجوز دفع الزكاة إليه، ولنا أن الله سبحانه عده صنفا في الزكاة غير صنف المساكين فيدل على أنه ليس بمسكين، والكفارة إنما هي للمساكين بدليل الآية؛ ولأن المسكين يدفع إليه لتتم كفايته، والمكاتب إنما يأخذ لفكاك رقبته، ما كفايته فإنها حاصلة بكسبه، فإن عجز رجع إلى سيده فاستغنى بإنفاقه، ويخالف الزكاة فإنها تدفع إلى الغني والكفارة بخلافها.
ويشترط أن يكونوا مسلمين، فلا يجوز صرفها إلى كافر، وقال أصحاب الرأي: يجوز دفعها إلى أهل الذمة؛ لدخولهم في اسم المساكين، وخرج أبو الخطاب وجها لذلك، ولنا أنهم كفار فلم يجز إعطاؤهم كمستأمني أهل الحرب، والآية مخصوصة بهذا فنقيس عليه.
الشرط الرابع: أن يكونوا قد أكلوا الطعام، فإن كان طفلا لم يأكل لم يجز الدفع إليه في ظاهر كلام الخرقي، وهي إحدى الروايتين عن أحمد، وعنه لا يشترط ذلك، قال أبو الخطاب: هذا قول أكثر الفقهاء؛ لأنه حر مسلم محتاج فأشبه من يطعم، ولنا قوله عز وجل:{إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}[المائدة: ٨٩] ، وهذا يقتضي أكلهم، فإذا لم تعتبر حقيقة الأكل وجب اعتبار مظنته، ولا تتحقق مظنة الأكل ممن لم يطعم، ولأنه لو كان المقصود دفع حاجته جاز دفع القيمة ولم يتعين الإطعام، وهذا يقيد ما ذكروه، فإذا اجتمعت هذه الأوصاف جاز الدفع إليه، غير أن المحجور يقبض له وليه.
[فصل في مقدار الإطعام في كفارة اليمين] ١
فصل: ويطعم لكل مسكين مد من حنطة أو دقيق، أو رطلان من خبز، أو مدان تمرا أو شعيرا، والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة، وهو البر والشعير والتمر والزبيب قياسا