عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه»
(٣) ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه، مثل أن يبني مسجدًا ويأذن في الصلاة فيه، أو سقاية ويشرعها
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة ٣:(ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه، مثل أن يبني مسجدًا ويأذن في الصلاة فيه، أو سقاية ويشرعها للناس) لأن العرف جار به وفيه دلالة على الوقف فجاز أن يثبت به كالقول، وجرى مجرى من قدم طعامًا لضيافة أو نثر نثارًا أو صب في خوابي السبيل ماء، وعنه لا يصح إلا بالقول. وألفاظه ست: ثلاث صريحة، وثلاث كناية. فالصريح: وقفت وحبست وسبلت، متى أتى بواحدة من هذه الثلاث صار وقفًا من غير انضمام أمر زائد؛ لأن هذه الألفاظ ثبت لها حكم الاستعمال بين الناس، يفهم الوقف منها عند الإطلاق، وانضم إلى ذلك الشرع بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر:«إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها» فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ الطلاق في التطليق. وأما الكناية فهي: تصدقت وحرمت وأبدت، فليست صريحة لأن لفظة الصدقة والتحريم مشتركة، فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات، والتحريم يستعمل في الظهار والأيمان ويكون تحريمًا على نفسه أو على غيره، والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم وتأبيد الوقف، ولم يثبت لهذه الألفاظ عرف الاستعمال فلا يحصل الوقف بمجردها، فإن ضم إليها أحد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها: أحدها: أن ينضم إليها أخرى تخلصها من الألفاظ الخمسة فيقول: صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة. الثاني: أن يصفها بصفات الوقف فيقول: صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث؛ لأن هذه القرينة تزيل الاشتراك. الثالث: أن ينوي الوقف فيكون على ما نوى ليصير وقفًا في الباطن، فإن اعترف بما نواه لزم الحكم لظهوره، ولو قال: ما أردت الوقف فالقول قوله لأنه أعلم بما نوى، وظاهر كلام أحمد وظاهر المذهب أن الوقف يحصل بالفعل مع القرينة، مثل أن يبني مسجدًا ويأذن في الصلاة فيه. وذكر القاضي عنه ما يدل على أنه لا يصح إلا بالقول وهو مذهب الشافعي، ودليله أن هذا تحبيس أصل على وجه القربة فوجب أن يفتقر إلى اللفظ كالوقف على الفقراء، والأول أولى لما سبق، وأما الوقف على الفقراء فلم تجر به عادة بغير لفظ، ولو كان بشيء جرت به العادة ودلت عليه الحال لكان هكذا.