للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(١٢) فإذا حلف لا يكلم رجلا يريد واحدا بعينه، أو لا يتغدى يريد غداء بعينه اختصت يمينه به) (وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يريد قطع منته حنث بكل ما فيه

ــ

[العُدَّة شرح العُمْدة]

والثاني: أن ينوي بالخاص العام، مثل أن يحلف لا أشرب له الماء من العطش يريد قطع المنة، فتتناول يمينه كل ما فيه منة، فإنه شائع في الكلام التنبيه بالأدنى على ما فوقه، وبالأعلى على ما دونه، فإذا نبه بشرب الماء في حال العطش على اجتناب كل نفع يصل إليه منه، ويمتن به عليه كان صحيحا، فإن لم يكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها؛ لأنه دال على النية، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا عبرة بالنية والسبب فيما يخالف اللفظ؛ لأن الحنث مخالفة ما عقد عليه اليمين، واليمين لفظه، ولو أحنثناه على ما نواه لأحنثناه على ما نوى لا على ما حلف؛ ولأن اليمين لا تنعقد بالنية، وكذلك لا يحنث بمخالفته ما نواه، ولنا أنه شائع في كلام العرب التعبير بالخاص عن العام، بدليل قوله: {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر: ١٣] {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء: ٤٩] {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: ٥٣] والقطمير: لفافة النواة، والفتيل: ما في شقها، والنقير: النقرة في ظهرها، ولم يرد ذلك بعينه بل نفي كل شيء، وقال الحطيئة:

ولا يظلمون الناس حبة خردل

يريد لا يظلمون الناس شيئا، وإذا كان سائغا فقد نوى بكلامه ما يحتمله فيحنث كما لو لفظ به، ولأننا أجمعنا على صحة التأويل في اليمين لغير الظالم، وهو إرادة ما الظاهر خلافه وهذا مثله، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما لكل امرئ ما نوى» ، فيدخل فيه ما اختلفنا فيه، ولأن الشارع قد ينص على الحكم في صورة خاصة لمعنى، فيثبت الحكم في كل ما وجد فيه المعنى ولا يقف على لفظه، كتنصيصه على تحريم الربا في الأعيان الستة، فثبت التحريم فيما وجد فيه معناها كذلك في كلام الآدمي.

مسألة ١٢: (فإذا حلف لا يكلم رجلا يريد واحدا بعينه، أو لا يتغدى يريد غداء بعينه اختصت يمينه به) كما ذكرنا، (وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يريد قطع منته حنث بكل ما فيه منة) ؛ لأن مبنى الأيمان على النية لا على اللفظ، ونيته قطع المنة فيحنث بكل ما فيه منة.

<<  <   >  >>