(٢٣) وإن أتى حدا في الغزو لم يستوف حتى يخرج من دار الحرب
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
«فإن أحد ترخص بقتال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقولوا: إن الله أذن لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يأذن لكم» ، وهذا ظاهر، إذا ثبت هذا فإنه (لا يبايع ولا يشارى) ولا يطعم ولا يؤوى، ويقال له: اتق الله واخرج إلى الحل ليستوفى منك الحق الذي قبلك، فإذا خرج استوفى حق الله عز وجل منه، وإنما كان كذلك؛ لأنه إذا أطعم وأوي تمكن من الإقامة أبدا فيضيع الحق الذي عليه، وإذا منع ذلك كان وسيلة إلى خروجه فيقام فيه حق الله عز وجل.
مسألة ٢٢:(وإن فعل ذلك في الحرم استوفى منه فيه) لا نعلم في ذلك خلافا، وقد روى الأثرم بإسناده عن ابن عباس قال: من أحدث حدثا في الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه من شيء، وقال الله سبحانه:{وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}[البقرة: ١٩١] ، فأباح قتلهم عند قتالهم في الحرم، ولأن أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عند ارتكاب المعاصي حفظا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم كما يحتاج إليه غيرهم، فلو لم يشرع الحد في حق من ارتكبه في الحرم لتعطلت حدود الله في حقهم، وفاتت هذه المصالح التي لا بد منها ولا يجوز الإخلال بها، ولأن الجاني في الحرم هاتك لحرمته فلا ينتهض الحرم لتحريم دمه وصيانته بمنزلة الجاني في دار الملك لا يعصم لحرمة الملك بخلاف الملتجئ إليها بجناية صدرت منه في غيرها.
مسألة ٢٣:(وإن أتى حدا في الغزو لم يستوف منه حتى يخرج من دار الحرب) لما روي عن بسر بن أرطاة أنه أتي برجل في الغزاة قد سرق بختية فقال: لولا أني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:«لا يقطع في الغزاة» لقطعتك، وفي لفظ «لا تقطع الأيدي في الغزاة» رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، ولأنه إجماع الصحابة، وروى سعيد في سننه أن عمر كتب إلى الناس: لا تجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجلا من المسلمين حدا وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا، لئلا تحمله حمية الشيطان فيلحق بالكفار، وعن أبي الدرداء مثل ذلك، وعن علقمة قال: كنا في جيش في أرض الروم