فقال: ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما» وعن أبي سعيد «أن رجلا هاجر إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل لك باليمن أحد؟ قال: نعم أبواي، قال: أذنا لك؟ قال: لا، قال: فارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما» رواهما أبو داود، ولأن بر الوالدين فرض عين والجهاد فرض كفاية، وفرض العين مقدم على فرض الكفاية، فإن كان أبواه غير مسلمين فلا إذن لهما؛ لأن كثيرا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يجاهدون وآباؤهم مشركون لا يستأذنونهم، منهم أبو بكر، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان يوم بدر مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبوه رئيس المشركين قتل ببدر، وأبو عبيدة قتل أباه في الجهاد، فأنزل الله سبحانه:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[المجادلة: ٢٢] الآية.
مسألة ٩:(إلا أن يتعين عليه) الجهاد فلا إذن لهما؛ لأنه صار فرض عين وتركه معصية ولا طاعة لأحد في معصية الله، وكذلك كل ما وجب من الحج والصلاة في الجماعة والسفر للعلم الواجب، ولأنه عبادة تعينت عليه فلا يعتبر إذن الأبوين فيها كالصلاة.
مسألة ١٠:(ولا يدخل من النساء أرض الحرب إلا امرأة طاعنة في السن لسقي الماء ومعالجة الجرحى) ويكره دخول النساء الشواب أرض العدو؛ لأنهن لسن من أهل القتال لاستيلاء الخور والجبن عليهن، ولا يؤمن ظفر العدو بهن فيستحل منهن ما حرم الله، فأما المرأة الطاعنة في السن إذا كان فيها نفع مثل سقي الماء وعلاج الجرحى فلا بأس به، فقد قال أنس:«كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى» ، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقالت الربيع: " «كنا نغزو مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسقي الماء ومعالجة الجرحى»(رواه البخاري) ، ويجوز للأمير أن يستصحب معه المرأة الواحدة عنده للحاجة، فقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج معه بالمرأة الواحدة من نسائه ولا يرخص لسائر الرعية لئلا يفضي إلى ما ذكرنا من الضرر.