هو الرشوة، وقال مسروق: إذا قبل القاضي الهدية أكل السحت، وإذا قبل الرشوة بلغت به الكفر، وقد روى عبد الله بن عمر قال:«لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الراشي والمرتشي» قال الترمذي: حديث حسن صحيح ورواه أبو هريرة وزاد "في الحكم"، ورواه أبو بكر في زاد المسافر وزاد "والرائش" والرائش السفير بينهما، ولأن المرتشي إنما يرتشي ليحكم بغير الحق أو ليوقف الحق عنه؛ وذلك من أعظم الظلم، قال كعب: الرشوة تسفه الحليم، وتعمي عين الحكيم.
مسألة ٤: ولا يقبل هدية (ممن لم يكن يهدي إليه) يعني قبل ولايته، ولأن حدوث الهدية عند حدوث الولاية يدل على أنها من أجلها ليتوصل إلى ميل الحاكم معه على خصمه، فأما إن كانت بينهما مهاداة متقدمة جاز قبولها منه بعد الولاية لأنها لم تكن من أجل الولاية، وذكر القاضي أنه يستحب له التنزه عنها أيضاً إلا أن يخشى أن يقدمها بين يدي حكومة أو تكون في حال الحكومة فإنه يحرم أخذها في هذه الحال لأنها كالرشوة.
مسألة ٥:(ولا يجوز له الحكم قبل معرفة الحق) ؛ لأن الله سبحانه قال:{فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}[ص: ٢٦] ومن لم يعرف الحق كيف يحكم به.
مسألة ٦:(فإن أشكل عليه شاور فيه أهل العلم والأمانة) ، لقوله سبحانه:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران: ١٥٩] قال الحسن: إن كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لغنياً عن مشاورتهم، وإنما أراد أن يستن بذلك الحاكم بعده، وقد شاور رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه في أسارى بدر، وفي مصالحة الكفار يوم الخندق، وفي لقاء الكفار يوم بدر. وروي: ما كان أحد أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وشاور أبو بكر الناس في الجدة، وشاور عمر في دية الجنين، ولا مخالف في استحباب ذلك؛ لأنه قد ينتبه بالمشاورة، ويتذكر ما نسيه بالمذاكرة، وقد ينتبه لإصابة الحق ومعرفة الحادثة من هو دون القاضي فكيف من يساويه، وقال أحمد: لما ولي سعد بن إبراهيم قضاء المدينة كان يجلس بين القاسم وسالم يشاورهما، ولما ولي محارب بن دثار قضاء الكوفة كان يجلس بين الحكم وحماد يشاورهما، وما أحسن هذا لو كان الحكام يفعلونه يشاورون وينتظرون.