للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما سُألت عائشة - رضي الله عنها - عن أعجب شيء رأيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: لما كان ليلةٌ من الليالي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي". قُلت: والله إني لأحب قُرْبَكَ، وأحب ما سرك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجْرَهُ (١)، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيتهُ، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما راهُ يبكي، قال: يا رسول الله، لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: " أفلا أكون عبداً شكورًا؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (٢) " (٣).

فالله - عز وجل - يقول في هذه الآية"تدبروا أيها الناس واعتبروا، ففيما أنشأته فخلقته من السماوات والأرض لمعاشكم وأقواتكم وأرزاقكم، وفيما عقَّبت بينه من الليل والنهار فجعلتهما يختلفان ويعتقبان عليكم، تتصرفون في هذا لمعاشكم، وتسكنون في هذا راحة لأجسادكم، معتبر ومدَّكر، وآيات وعظات" (٤).


(١) مَحْجِرُ العين: ما يبدو من النِقاب، انظر: الصحاح للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور، دار العلم للملايين، بيروت، ط ٤: ٢/ ٦٢٤.
(٢) آل عمران: ١٩٠.
(٣) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط ٣: ٢/ ٣٨٦ برقم (٦٢٠)، وقال المحقق: إسناده صحيح على شرط مسلم. وانظر: السلسلة الصحيحة: ١/ ١٤٧ برقم (٦٨).
(٤) تفسير الطبري: ٤/ ٢٦٠.

<<  <   >  >>